مغاربة ضد زواج الموظفات ..عنوان حملة فايسبوكية تتماهى مع أهداف النيوليبرالية
بقلم / فاطمة الزهراء قايدي
أثارت مجموعة فايسبوكية مغلغة تحت مسمى “مغاربة ضد الزواج بالموظفات” جدلا واسعا وردود فعل متباينة في أوساط رواد ونشطاء منصات التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنيت بين مؤيدين ومعارضين وعقلانيين.
من وجهة نظري المتواضعة، أن صانع محتوى هذه الصفحة الفايسبوكية الذي سمى نفسه بالشيخ سار ، بنى حملته على الاعتقاد بأن توسع قاعدة البطالة في اوساط الشباب تتم نتيجة اكتساح المرأة لسوق الشغل..أو ربما أن ولوج المرأة لسوق الشغل يغذي اسباب التفكك الاسروي.
وأصحاب هذا الاعتقاد مخطئين في أفكارهم وهواجسهم ، إذ أن تنامي الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية وتنامي معدل البطالة تغذيها قواعد النيوليبرالية المتوحشة ، بل أكثر من ذلك أن مثل هذه الحملات الفايسبوكية هي في حد ذاتها من إفرازات النيوليبرالية المتوحشة التي تسعى بشكل أو آخر إلى إفراغ الإنسان من ادميته وانسانيته وقيمه الأخلاقية والهوياتية والروحية وتحويله إلى مجرد بضاعة مثل باقي السلع المعروضة في السوق.
صحيح أن المرأة تعد النواة المركزية في اي أسرة باعتبارها المدرسة الأولى للطفل التي تلقنه النطق والحركات والقيم والتربية السلوكية وتزوده بالتغذية وتزرع فيه روح الآدمية والإنسانية والحنان ، وصحيح جدا أن تواجد المرأة بالبيت افضل بكثير من قضاء وقتها في سراديب الشركات والمعامل والادارات ..ولكن هذا ليس مبررا لمنع المرأة من تحقيق ذاتها وطموحها ومن ولوج المناصب والمراتب والوظائف.
أما مسألة التحرش الجنسي هو قضية مستقلة بذاتها ، وتجد دوافعها في غياب التربية والمروءة وعدم توفر بعض المجتمعات على قوانين زجرية رادعة، وفي حالة وجودها غالبا ما تكون مطاطية، وليست صريحة، إذ يمكن للقاضي المعروض عليه مثلا جنحة التحرش الجنسي أن يعمل على تأويل النصوص الخاصة بالتحرش الجنسي على اساس مزاجه أو يمكن تسييسها للزج بالمعارضين في السجون.
إن الهاجس الوحيد الذي يطغى على معظم الشباب ذكورا وإناثا هو الهاجس المادي والخوف من المستقبل في ظل تغول الرأسمالية المتوحشة وازدراء القيم وتفشي الفساد السياسي ، إذ تقريبا كل شاب يفكر في الزواج بموظفة على أمل أن تتعاون معه في تكوين أسرة وبيت ومواجهة تحديات الحياة ومتطلباتها التي يزداد حجمها وعددها يوما بعد يوم، فيما الشابة بدورها تفكر في تأمين حياتها من خلال إيجاد منصب شغل أو وظيفة لأنها تخشى من مصير فشل زواجها والزج بها في الشارع خصوصا عندما ترى العديد من المطلقات غير الموظفات يعشن حياة جهنمية دون أي رحمة حتى من اقربائها.
للأسف الشديد رياح النيوليبرالية المتوحشة تسللت إلى مختلف بيوت الناس وسطت على عقول معظم الناس مما أدى إلى تدمير القيم المجتمعية سيما قيم التكافل والتعاون والتآزر إذ كل واحد يريد تحقيق حلمه بمعزل عن باقي أفراد أسرته أو شريكته أو شريكها في الحياة.
وفي النهاية لابد من الاشارة الى ان التحرش الجنسي ليس هو سلوك المعاكسة كما يعتقده البعض ، ولكن في اعتقادي المتواضع أن أخطر سلوك التحرش الجنسي هو الذي يكون مقرونا بالابتزاز مثل العمل مقابل الجنس ، الترقية مقابل الجنس ، الامتيازات مقابل الجنس ..ويكون اشد قسوة عندما يتم ممارسته على عاملة او موظفة متزوجة ..
وفي هذا الاطار يجب سن قوانين زجرية رادعة لكل من يمارس هذا النوع من التحرش الجنسي وتشديد عقوبة مرتكبيها بنصوص صريحة غير قابلة للتمطيط .
باختصار شديد يمكن القول ان النيوليبرالية التي تقودها مافيا عالمية تعد هي اساس انحطاط المجتمعات أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقانونيا وقيميا ..مما يستدعي اعادة النظر في الكثير من الضوابط والقواعد التي قد تحصن الانسانية والبشرية مع ضرورة التمسك بالقيم والضوابط الروحية ..
لأن المؤشرات التي نستشفها من الواقع تدلل على ان النيوليبرالية تقود البشرية نحو الانحطاط ونحو تجريد الانسان من ادميته وانسانيته وتحويل الى مجرد عامل استهلاك وعامل دمار وخراب..والاخطر ما في الامر انها تقود البشرية نحو التفكك الاسروي والجهل والتخلف والاسترقاق والعبودية وما سيترتب عليها من تداعيات مدمرة مثل الجريمة والمخدرات والاوبئة.
سؤال مفتوح : هل يعتقد الرجل اليوم أنه في ظل الأزمة الاقتصادية المعقدة التي يشهدها العالم قادر على أن يكون معيلا لوحده لأسرته ؟