مقاربة الواقع من زاوية مغايرة… أساسها سلطة الضمير

بقلم / محمد القاضي

رئيس مركز فاس للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والبيئية

غالبا ما نحمل مسؤولية تدني مستويات المردودية وتردي جودة الخدمات وتفاقم الأزمات والاحتقانات على كافة الأصعدة والمجالات لساستا “المبجلين”  ومجالسنا المنتخبة بصفة عامة والقائمين على تدبير شؤونا العامة على وجه الخصوص، ومن ثمة نشحذ أسلحتنا وألسنتنا وأقلامنا لجلدهم وقصفهم وتقريعهم ومهاجمتهم ،أحيانا، بأقدح النعوت دون رحمة أو شفقة   وتوجيه منصات  النقد القاسي صوبهم وإمطارهم بالتهم الثقيلة جدا.

ولكننا في نفس الآن ننسى أو نتناسى أننا نحن من انتدبنا هؤلاء على تولي زمام أمرنا وتدبير شؤوننا العامة وأعطيناهم التفويض الكامل للتصرف باسمنا في كل ما يرتبط بجوانب الحياة العامة، بل الأغرب من ذلك أننا في كل محطة استحقاقية نجدد ثقتنا فيهم،أو في أولادهم وأحفادهم، ونمدد لهم صلاحيات التفويض والتصرف باسمنا وفي شؤوننا العامة، مع أننا طيلة مدة انتدابهم نهاجمهم وننتقدهم بقسوة ونتهمهم بتهم ثقيلة، ومع ذلك نجدد لهم التفويض التعاقدي لولاية انتدابية جديدة، وهناك من دخل أول ولاية انتدابية شابا صغيرا ولم يغادرها إلا بعد رحيله للقبر تاركا لنا نجله أو حفيده الذي نجدد له التفويض في كل استحقاق.

فهل يمكن لنا أن ننكر هذا الأمر ونفنده؟ بالطبع لا، ولكن هناك من سيجتهد في إيجاد مسوغات ومبررات وهمية واهية لا توجد إلا في مخيلتهم وأوهامهم  في محاولة لإيجاد شماعة يعلقون عليها فشلنا نحن الكتلة الناخبة، من خلال الادعاء بأن الدولة وأجهزتها تتدخل في هندسة المشهد السياسي على مقاسها ومن ثمة إجهاض إرادة الناخب ، وهو ادعاء مردود على من يدعونه ويبقى مجرد أوهام تسوقها القوى الفاشلة لإخفاء فشلها وعدم قدرتها على التأثير في توجيه الميزاج العام للكتلة الناخبة.

حتى ولو افترضا جدلا أن مزاعم تدخل أجهزة الدولة في المشهد الانتخابي صحيحة، فإن الواقع يدحضه ويفنده بدليل أن كل مواطن مسؤول عن صوته ويدخل إلى معزل التصويت بمفرده وتبقى بجانبه فقط سلطة ضميره، حتى وإن تم الضغط عليه بالترغيب أو الترهيب، فإنه في الآخر المطاف يكون فقط هو وضميره..

صحيح أن هناك قوى ضغط كبيرة تسعى بشكل حثيث إلى التأثير على ميزاج الناخب لصالحها أو لصالح  أجنداتها، ومن ضمنها، بطبيعة الحال، بعض رجال ورموز السلطة  الذين يستغلون مواقع نفوذهم وإمكاناتهم التأثيرية واللوجيستيكية والسلطوية  للتواطؤ مع لوبيات البزار السياسي والريع الانتخابي ودعمها ماديا وترويجا ودعاية لغاية تأمين المزيد من المصالح المادية والنفعية وحماية مصالحهم المشتركة القائمة.

وهذه الرموز السلطوية تساهم في هذا الخرق الدستوري الذي يلعب دورا كبيرا في التأثير على الناحب بطريقة أو أخرى في توجيهه وتغيير بوصلة إرادته نحو هدفهم ، يتدخلون كأشخاص وليس كمؤسسات وأجهزة.

المعلومات التي تم سردها آنفا تقودنا إلى الإقرار والاعتراف بأننا  نحن الكتلة الناخبة نتحمل القسط الأكبر من المسؤولية على مآل واقعنا المزري بطريقة أو أخرى، وأننا شركاء في صناعة الأزمة وصناعة الفقر والبؤس والتفقير لأننا بإرادتنا أوكلنا مهمة تدبير شؤوننا للنخبة التي نتهمها بالفساد ونقصفها.

ألسنا نحن من نحمل إمعات نقابية على أكتافنا وبعد ذلك نتهمها بالتخاذل وخيانة الطبقة العاملة؟ ألسنا نحن من نجدد لها الانتداب بعد سنين من القصف والاتهام؟ هل نحن جبناء وليست لنا القدرة على إزاحتهم في حالة خذلانهم؟

ألسنا نحن من نصوت على أميين وجهلة ودجالة ، ثم ننتقدهم ونقصفهم على تردي جودة القانون وضعف الآداء التشريعي ؟ ماذا ننتظر من نائب برلماني أمي؟ هل سيناقش قانون المالية أم سيناقش تشريع القوانين أم سيراقب العمل الحكومي؟ أم سيحسن آداء الدبلوماسية البرلمانية أم سيترافع عن قضايا الاقليم الذي يمثله؟؟ ألسنا نحن من نقف في كل استحقاق جماعي أو تشريعي سدا منيعا أمام الكفاءات لمنعها من الوصول إلى مواقع المسؤولية، وفي مقابل ذلك نسهل ونيسر  الطريق للأميين وللفاسدين؟

ألسنا نحن من نتهم فلانا وعلانا بالفساد والإفساد والنهب والسرقة الموصوفة للمال العام، ثم نجدد له التفويض لولايات أخرى عوض منعه ومحاسبته ومساءلته؟

ألسنا نحن من نخالف قانون السير ثم نبادر إلى تقديم إرشاء الدركي أو شرطي المرور ليتغاضى عن سلوكاتنا المخالفة للقانون؟

ألسنا نحن من نقتلع ونسرق ونمزق قمامات الأزبال التي تضعها البلديات في الشوارع، ثم نتهم هذه البلديات بإهمال جانب النظافة وعدم حمايتها للبيئة؟

ألسنا نحن من نبادر إلى تقديم الرشاوي للمنتخبين ليتدخلوا في توجيه الصفقات العمومية لصالحنا دون احترام قواعد المنافسة الشريفة؟

ألسنا نحن من يحرق الغابات وينفذ في حقها جرائم بالجملة وتقديم الرشاوي لحراسها ثم نحمل المسؤولين  مسؤولية جرائم اقترفناها بأيادينا؟

ألسنا نحن من نشهد شهادات الزور أمام القضاء، ثم نتهم القضاء بالفساد؟

ألسنا نحن من نقدم خدمات مجانية لأدوات الاستعمار والاستعمار، ثم نتهم الدول الغربية بممارسة  الاستعمار الاقتصادي  أو غير المباشر في حقنا، في الوقت الذي ننسى أو نتناسى أن أصعب وأقسى وأقوى استعمار  يتواجد في عقولنا…

ألم نعي بعد بأن عقولنا مستعمرة ب”الأنا” المفرطة ، وشهوانية الذات ؟

ألم نعي بعد بأن أشرس استعمار يتواجد في عقولنا السجينة لشيطان النفس؟

فكيف يمكننا أن نساهم في التغيير نحو العلا والمجد ونحن عاجزين على تغيير سلوكنا وعاداتنا السيئة؟

ألسنا نحن من نمارس النصب والاحتيال على بعضنا البعض ومخادعة بعضنا البعض، وخيانة بعضنا البعض وتقديم الوشايات ببضعنا البعض، والتشفي في بعضنا البعض؟

أخشى ما أخشاه أن يتبول أبناؤنا وأحفادنا على قبورنا كما يفعل جمهور غفير من جيلنا من خلال تحويل العديد من المقابر إلى مكان للتبول وفضاء للكريساج وقضاء الحاجات وتعاطي المخدرات وممارسة الرذيلة.

التغيير سيأخد مساره الصحيح عندما ننجح في تحرير عقولنا من استعمار الأنا وتغيير سلوكنا وتحديد ماذا نريد وماهية هدفنا بدقة متناهية ومدروسة….. في هذه الحالة فقط يمكننا أن نحلم  بالتغيير والنهضة  المجتمعية الشاملة من خلال الانخراط الفعلي في عمليات تجويد الفعل والعمل والبناء.

  • Related Posts

    توقعات حالة الطقس ليومه الجمعة 25 أبريل 2025

    زهرة شريفي أفريك-تيڤي  أفادت المديرية العامة للأرصاد الجوية المغربية،أنه بالنسبة لحالة الطقس ليوم الجمعة 25 ابريل 2025، يتوقع أن تتشكل كثل ضبابية، فوق سهول المحيط الأطلسي الشمالية والوسطى، لاسيما في…

    مجموعة القرض الفلاحي للمغرب توحّد جهود الفاعلين في مجال الزراعة الذكية حول الذكاء الاصطناعي وتدبير الموارد المائية المستدام

    متابعة خاصة من مكناس-افريك-تيڤي في إطار مشاركتها في فعاليات الدورة الحالية من المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، نظّمت مجموعة القرض الفلاحي للمغرب ندوة استراتيجية رفيعة المستوى، تمحورت حول موضوع: “الزراعة الذكية:…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    المخدرات والتدخين موضوع ندوة تحسيسية بفاس

    المخدرات والتدخين موضوع ندوة تحسيسية بفاس

    طنحة…زوج ينهي حياة زوجته بالزيت المغلي

    طنحة…زوج ينهي حياة زوجته بالزيت المغلي

    تعيينات جديدة بالمصالح اللاممركزة للأمن الوطني

    تعيينات جديدة بالمصالح اللاممركزة للأمن الوطني

    أطر التربية والتكوين التجمعيين بعمالة مكناس يؤسسون تنظيمهم

    أطر التربية والتكوين التجمعيين بعمالة مكناس يؤسسون تنظيمهم

    حادثة سير خطيرة قرب مركز أجدير بإقليم الحسيمة

    حادثة سير خطيرة قرب مركز أجدير بإقليم الحسيمة

    جهود متواصلة واستعدادات مكثفة لتطوير السياحة البحرية بالحسيمة قبل انطلاق الموسم الصيفي 2025

    جهود متواصلة واستعدادات مكثفة لتطوير السياحة البحرية بالحسيمة قبل انطلاق الموسم الصيفي 2025