آراء حرة

إلى الرِّباط … مَسؤولية تاريخيّة للأُمناء العَامين للأَحزاب فيما وصلت إليه مدينة فاس من إفراز نُخب سياسيَّة كَان أو سيكُون مصِيرها السِّجن

 

بقلم : محمد القاسمي

أصبح تحديث الوسائل والآليات يفرض نفسه بقوة من أجل إعطاء منتوج جيد في التدبير الإداري بغرض تقديم خدمات عامة تروق للساكنة، غير أن ارتباط التدبير العمومي أساسا بالعنصر البشري يجعل الحديث عن أية تنمية رهين بما حققته النخبة السياسية المحلية من تطور في مستواها وذلك بانتقالها من نخبة تعتمد الوسائل البدائية في تدبير الشأن العام المحلي وكذا انتقالها من نخبة تسلطية ومستبدة أو تجعل تدبير الشأن العام وسيلة ومطية للاغتناء الغير مشروع عبر خرق القانون ، إلى نخبة تعتمد الالتزام والمصداقية والتأهيل الفكري والإداري والتنظيمي لممارسة الحكم أو المعارضة مع ضرورة توفرها على القدرة لتبني أفكار حديثة في التدبير يمكن أن يكون وصفة علمية دقيقة لتخليص التدبير الترابي من إرث الماضي وتصويب الحاضر واستشراف المستقبل لاسيما فاس العاصمة الروحية للمملكة والتي يراهن عليها القصر لتكون عاصمة عالمية للتصوف وهي بذلك أهل بحكم التاريخ والواقع .

واللأسف الشديد الجماعات الترابية بفاس أصبحت مدعوة للمشاركة إلى جانب ولاية جھة فاس مكناس والقطاع الخاص والعام في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهذا يتطلب القطع مع أساليب التدبير التقليدي في مقابل اعتماد الوسائل الحديثة والناجعة في التدبير، فبمقتضى دستور 2011 والقوانين التنظيمية لسنة 2015 تم تمتيع الجماعات الترابية بصلاحيات هامة لا يمكن تفعيلها بصفة ناجحة وفعالة دون قدرات وأداء حقيقيين للمنتخبين وكذا الأطر الجماعية في تعاون وتكامل مع الإدارة اللاممركزة والمصالح الخارجية لمختلف القطاعات الوزارية، وهي صلاحيات لا يمكن منحها لمجالس لا يتوفر أصحابها على مستوى أكاديمي محترم أو تجربة سياسية طويلة مع نظافة اليد .

فرغم من المجهودات المبذولة لتأطير العنصر البشري وتأهيله حتى يكون فعالا وذو مردودية عالية إلا أن ما عليه الواقع اليوم بفاس مدعوما بالأرقام والمعطيات الإحصائية يبين أن هناك مَواطن ضعف عديدة خاصة فيما يتعلق بالمنتخب الجماعي، ذلك أن الممارسة العملية أكدت أن السبب في تردي تدبير الشأن الترابي بالمدينة يرجع بالأساس إلى ضعف تكوين المنتخب الجماعي وضآلة تجربته في جميع الميادين بحيث تواجه مجموعة من الصعوبات تهم أساسا انعدام الخبرة الكافية التي تمكنه من ممارسة مهامه بفعالية، ويعزى الأمر إلى غياب التكوين أو عدم التوفر على المؤهلات اللازمة لمزاولة المهام باقتدار فضلا عن تفشي ظاهرة الأمية في أوساط المنتخبين إضافة إلى الجشع بغرض الاغتناء الغير مشروع عبر ركوب سكة الفساد المالي، وهو ما جعل الكثير من المنتخبين في السِّجن أو مهدَّدون بالدخول إليه في أي وقت ، فكل “مُخربق” يتحسس رأسه ، بل هناك مقاطعات بفاس تقول الدور حال علينا فمنهم من فرَّ خارج أرض الوطن وهناك من أعاد التفويض الذي تسلمه إلى الرئيس ، بل هناك من تخلى على كل المكاسب التي يتوفر عليها حتى لا يكون موضع مساءلة في يوم من الأيام ، ومقاطعة زواغة بفاس خير دليل على صِحة هاته المعطيات ، كما أن الأعضاء يسألون أهل الأرض والسماء حتى تخرج العاقبة على خير وهنا أستحضر المثل المغربي القائل “اللي حشا راسو مع النخالة كينقبوه الدجاج ” إلا هناك من ستنقبهم النيابة العامة …

ورجوعا إلى القانوني التنظيمي للجماعات رقم 11َ3.14 نجد أنه لم يشترط توفر مستوى تعليمي معين في من سيتولى مهام رئاسة المجالس الترابية وكذا عضوية هذه المجالس وهذا ما يجعل من الأحزاب السياسية تستغل هذا الفراغ التشريعي في اختيار المرشحين لعضوية أو حتى رئاسة الجماعة ليس على أساس الكفاءة والاستحقاق بل على أساس حظوظه في الحصول على المقاعد وذلك على الرغم من تعدد المسؤوليات التي أصبحت ملقاة على الجماعة وتوسيع صلاحياتها التي جاءت في إطار الاستراتيجية التي جاء بها دستور 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات، والتي تؤكد أنه لم يعد مقبولا تولي أناس أميين لا يفقهون شيئا في التدبير الترابي مهام رئاسة الجماعات أو العضوية فيها.

فالمنتخبين في الجماعات الترابية لفاس، يظھر العجز على مستوى المطابقة مع الواقع والمتطلبات الاجتماعية للساكنة ويتجلى ذلك أساسا في غياب أي تصور تنموي حقيقي لعدم فهم وعدم استيعاب المنتخب الجماعي لأدواره المنصوص عليها قانونا وعدم احتكاكه بالواقع لمعرفة الحاجيات الأساسية للساكنة، وكذلك العجز على مستوى مسايرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحاصلة في المجتمع الفاسي، ومرد ذلك إلى ضعف المستوى التعليمي للمنتخب الجماعي بفاس، وعدم تفعيل برامج التكوين المستمر له من طرف المجالس التي ينتمي إليها.

ونجد كذلك العجز على مستوى الانسجام والتكامل والتناغم بين مكونات المشهد السياسي والاجتماعي داخل المجال الترابي لمدينة فاس، وذلك في غياب أي تأطير حزبي للمنتخبين بل إن التزكية لا تمنح بالضرورة للأعضاء النشطين في الحزب على مستوى فاس، بل قد يتم منح التزكية ليلة انتهاء الأجل الممنوح لتقديم طلبات الترشيحات بحيث يغلب على ذلك هاجس الحظوظ في الحصول على المقاعد في تغييب تام للمستوى التعليمي والكفاءة لدى المرشح.

كما أن العجز يطال مستوى التدبير التنموي المحلي لفاس، وانعدام القدرة على الابتكار والإبداع للمنتخبين، بحيث يلاحظ انعدام الاهتمام واللامبالاة لدى فئات عريضة من المنتخبين على اعتبار أنهم يتم انتخابهم لأداء مهام انتدابية لمدة محددة تنعدم فيها مستحقات المعاش ولا تتوفر فيھا التعويضات المناسبة مع غياب التحفيزات، كما أن ھناك عجز وظيفي يتجلى في عدم القدرة على استيعاب استراتيجيات التنمية المحلي أضف إليه العجز على مستوى الترافع والدفاع عن قضايا الجماعة والبحث عن مصادر التمويل والتعريف بالمتطلبات الاجتماعية للسكان والعمل على تحقيق وتنزيل المشاريع المقترحة.

ومن العوامل المؤثرة والتي تحد من فعالية أداء المنتخب المحلي في التنمية المحلية لمدينة فاس، نجد ظاهرة الغياب المتكرر بين صفوف المنتخبين والتي تؤثر سلبا على العلاقة بين الناخبين الذين منحوهم الثقة من خلال التصويت عليهم كما تؤثر كذلك على سير المجالس الجماعية، وكذا العمادة، وعلى أدائها لمهامها المنوطة بها قانونا، وهنا نجد عدم تطبيق القانون في هذا الباب يبرز وبالملموس انعدام شخصية عمدة المدينة في اتخاذ القرار كما نتعجب له وهو يهدد البعض بالعزل لأسباب سياسية وتعليمات حزبية وغير مبنية على أي مبرر موضوعي ، وهاته النقطة بالذات تنذر بتفجر فضيحة كبرى عنوانها الانتقائية في التعامل مع أعضاء المجلس …!

ويترتب عن هذه الظواهر السلبية التي تعتري النخب السياسية بمدينة فاس، مجموعة من المعيقات التي تقف حجرة عثرة أمام هذه التنمية المحلية أو الترابية للمدينة، فغياب الانسجام بين المنتخبين المحليين داخل مدينة فاس بسبب الصراعات السياسية والشخصية والتي تنتج أساسا من خلافات خلال مرحلة الانتخابات، وكذا غياب التواصل بين المنتخبين، كل ھذا يؤدي إلى انعدام المساهمة وعدم المشاركة وانتشار النمطية في التفكير والأداء وغياب المبادرة لدى مجلس المدينة والمجالس المنتخبة ، مما يؤدي إلى سوء التسيير للجماعات ويضعف قدرتها التنظيمية.

كما أن سيادة ظاهرة الفساد في مجلس المدينة والجماعات الترابية التابعة لفاس، وهو ما يتسبب في فشل ھذه الجماعات الترابية في أداء وظائفها الإدارية والتدبيرية وكذا فشلها في بلورة برامج للتنمية البشرية المستدامة بحيث تم تكريس انتشار ظاهرة الفساد الإداري التي أصبحت هي الأصل في حين أصبح التدبير الترابي المناسب والمطلوب استثناء.

والملاحظ في الآونة الأخيرة أنه وانطلاقا من استراتيجية الدولة الرامية إلى محاربة الفساد أنه تم تقديم عدد كبير من المنتخبين بمجلس مدينة فاس والجماعات الترابية التابعة لفاس إلى العدالة في إطار جرائم الأموال نتيجة ما مارسوه من استغلال النفوذ والرشوة وتبديد واختلاس أموال عمومية وذلك في إطار تفعيل وتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وكذا لتكريس مبذأ الحكامة الجيدة التي جاء بيها روح دستور 2011 دون أن ننسى الأدوار التي أصبح يضطع بها المجتمع المدني في إطار تفعيل الصيغة المستحدثة للتدبير على أساس الديموقراطية التشاركية التي حلت محل الديموقراطية التمثيلية.

ويمكن القول أن ضعف النخب السياسية الناتج عن عدم تكوينها وانعدام الحوافز وفق ما تم تفصيله أعلاه قد خلق مظاهر من الفساد الإداري والمالي كما أنه أدى بشكل كبير إلى كبح وعرقلة التنمية بشكل كبير ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر سوء التدبير والتماطل في تنفيذ المشاريع التنموية واتساع دائرة التسلط والتعسف في استعمال السلطة وسيادة البيروقراطية، وكذا تعقيد المساطر الإدارية وضعف التواصل، ولهذه المظاهر السلبية تبعات سلبية على التدبير الإداري لمجلس مدينة فاس والجماعات الترابية التابعة لفاس، وھذا أمر له تأثير وتداعيات خطيرة على التدبير المالي بشكل أعمق وأخطر وأكثر وقعا على التنمية المحلية وعلى الحكامة الترابية بشكل عام.

هذه الظواھر السلبية التي تؤدي إلى ضعف أداء النخبة السياسية بمدينة فاس، تقتضي طرح مجموعة من الاقتراحات لتجاوزها، بغرض تحديث تدبير مجلس مدينة فاس والجماعات الترابية التابعة لفاس، وذلك عبر إعادة تأهيل عميق لمواردها البشرية من خلال التخطيط عبر وضع الأهداف أو الغايات وضوابط أنشطة الجماعة ووضع القواعد والإجراءات والتصاميم والتوقعات والتنبؤ ببعض الأحداث المستقبلية والإجابة عنها بشكل استباقي.

كذلك يجب أن يكون التنظيم محكما، وذلك بتسليم مهمة محددة لكل عضو ووضع قواعد العمل وتفويض السلط ونشر حدود السلطة والتواصل وتنسيق العمل بين المنتخبين،
وتدبير المنتخبين عبر إعداد معايير الإنجازات والأداءات وتقويمها مع خلق حوافز وضمان تكوينهم. مع الحرص على القيادة والتوجيه، وھي مھمة تناط برئيس مجلس المدينة أو رئيس الجماعة الترابية لفاس، حيث يكون له الدور الأساسي والمحوري، بحيث تكون مهمته هي التنسيق بين الأعمال والأنشطة التي يعدها الأعضاء وكذا خلق التوازن والانسجام ليس فقط بين مكونات الأغلبية في المجلس بل كذلك بين أعضاء الأغلبية وأعضاء المعارضة.

وارتباطاً بهذه النقطة لابد من دعوة الأحزاب السياسية للاضطلاع بأدوارها في التأطير والتكوين وكذا اعتماد معايير الكفاءة والمستوى التعليمي في منح التزكيات مع ضرورة تسجيل حضورها الدائم والمتواصل خلال المدد الانتدابية وليس فقط الظهور في الفترات الانتخابية.

ونظرا لأهمية جانب الردع والجانب الزجري لابد من توعية وتحسيس المنتخبين بضرورة اعتماد مقاربة التواصل والشفافية في التدبير مع ضرورة اعتماد برامج للتكوين والتكوين المستمر قصد تأهيلهم وتحفيزهم للعمل على بلورة برامج تنموية وفق الاختصاصات المخولة لهم.

ولتجاوز كل هذه المعيقات والظروف التي تعرقل أنشطة مجلس مدينة فاس والجماعات الترابية التابعة لفاس، والتي ترجع بالأساس إلى العنصر البشري لابد من التأكيد على ضرورة إتاحة الفرصة للكفاءات لتولي مناصب المسؤولية بحسب الاستحقاق والجدارة أكثر من المصالح الذاتية أو الحزبية وإعادة روح الثقة بين الناخب والمنتخب من خلال ضمان الشفافية في العمل وصدقية القول مع الفعل وذلك بشكل يجعل من المنتخب مصدر سلطة وصاحب قرار يمكنه من الاستجابة لتطلعات وطموحات السكان بدء من رئيس مجلس مدينة فاس، كمفعل أساسي للتدبير التشاركي مرورا بأعضاء المجلس، ورؤساء الجماعات الترابية التابعة لفاس، والمستشارين الجماعيين باعتبارهم دعامة أساسية للديموقراطية التشاركية، حتى تتمكن السلطة من السير قُدُماً بمدينة فاس لبرِّ الأمان ، فاليدُ الواحدة لا تصفق .

ويبقى السؤال المطروح : من يتحمل مسؤولية النخب السياسية الفاشلة التي أفرزتها الانتخابات السابقة بفاس والتي أبانت أنها أعطت مجموعة من الانتهازيين والمصلحنجيين وذو الكفاءات الدَّانية في نهب المال العام ، وخُدَّام مصالحهم الشخصية بجهالة وسذاجة غير مسبوقتين ، أليست مسؤولية الأمناء العامين للأحزاب ؟! أليس أصحاب القرار السياسي بالرباط هم من يتحملون مسؤولية مدينة فاس لأنهم يزَكون ما لا يعرفون ؟! ألا تتحمل الأحزاب مسؤوليتها في تجديد مكاتب الفروع والشبيبات وفسح المجال للنخب وذو الكفاءات العلمية التي من شأنها أن ترفع من قيمة الطموح الذي تحضى به مدينة فاس في عين عاهل البلاد بالدرجة الأولى ؟! ألا يعلم الأمناء العامين للأحزاب أن ملك البلاد يعشق فاس ويراها الوجهة الروحية للعالم وبفضلها نتمدد في إفريقيا ….! أليست المسؤولية التاريخية اليوم على أصحاب مراكز القرار بالرباط لتجديد النخب السياسية بفاس ؟! ألم يآن الأوان لتستيقظ الأحزاب السياسية لإنقاذ مدينة فاس التي تستنجد بأبنائها الشرفاء والنزهاء لإخراجها مما هي فيه ؟! أليس من حق السَّيد الوالي أن ينام قليلا وهو مُرتاح البال ؟! ألم يأخذ رؤساء المقاطعات والمصالح العبرة بمن هم الآن يقطنون بسجن بوركايز ؟! إن لم يتدخل الأمناء العامين للأحزاب بشكل مستعجل فسيكون مصير مدينة فاس مجهولا ؟! أو سيتفاجأ الجميع بإجراء إداري يجعل المنتخب خارج نسق التدبير …!

نتمنى من عمدة فاس (المُحترم) ومن معه أن يعلموا أن المكاسب الأخيرة … ليست إلا تجريبية وفي ذات الوقت ضرورة ملحة لإنقاذ فاس في مجالات لا يمكن تعطيلها أكثر ولذلك يستوجب العمل وإبراز النَّوايا الحسنة التي تنُم على الغيرة التي نحتاجها جميعا على مدينة الأولياء والصلحاء ، مدينة الألف ولي وولي ، مدينة المولى إدريس ، سيدي أحمد الاتحادي ، أبو بكر ابن عربي ، جامعة القرويين ، لا يمكن أن يسمح أحد في هذا الإرث الكبير ويُطوره وإلا سيكون خار التاريخ أو داخل جغرافيا بوركايز ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى