البروفيسور خالد فتحي : الملك يخاطب افريقيا

  • بتاريخ : نوفمبر 7, 2023 - 10:00 ص
  • الزيارات : 7
  •  

    بقلم / البروفيسور خالد فتحي
    امران آثنان سيجعلان من إحياء الذكرى 48 للمسيرة الخضراء حدثا فارقا لن ينسى لا مغربيا ولا إفريقيا ،اولهما إعلان الملك عن اكتمال الرؤية لما يجب أن يكونه المجال الجيوستراتيجي للمغرب ، والثاني كون خطابه هذا أشر على أننا لم نعد،و بتوالي الخطابات ذات البعد الإفريقي ، إزاء ملك يتحدث فقط لشعبه عن مشاريع المستقبل ،وإنما صرنا نستمع فيه لزعيم إفريقي يتوجه ويخطط بحذق ومهارة ونفاذ بصيرة لقارة بأسرها.
    نعم لم يكن ملكنا البارحة كأي رئيس دولة شعبوي يطلق الكلام على عواهنه، ولم يكن يلقي عبارات مرسلة إنشائية في الهواء ، وإنما كان يصدر عن عقيدة راسخة ترسبت لديه بأهمية العمل الجاد والكفاح المستميت من أجل افريقيا ورفعة إفريقيا ،
    لقد كان يزف لنا بعبارات مقتضبة وبليغة في نفس الآن بشرى الشروع في تنفيذ توجه جديد صاغته الدبلوماسية المغربية على مهل حتى اختمر وتبلور مسارا وبرنامجا تنمويا شاملا لامناص لافريقيا عن السير فيه ، خصوصا في ظل التحولات الرهيبة التي يعرفها العالم، والأطماع التي تحوم حول خيرات قارتنا السمراء من طرف القوى العظمى .والتي تبدو وكانها تتربص بها الدوائر لاعادتها مرة أخرى الى زمن القهر والعبودية والاستغلال .

    خصوصا في ظل التحولات الرهيبة التي يعرفها العالم، والأطماع التي تحوم حول خيرات قارتنا السمراء من طرف القوى العظمى .والتي تبدو وكانها تتربص بها الدوائر لاعادتها مرة أخرى الى زمن القهر والعبودية والاستغلال .

    جلالة الملك اختار ان يكلم افريقيا الأمس في ذكرى تحرير ارضنا السليبة، لكأنما يعدها ويحضها على ان تنهض و تتكاتف بدورها لأجل ان تتحرر من الاستعمار الجديد .
    هكذا قرر بخطابه أن يدلف بالمملكة وبما يقرب من نصف دول إفريقيا ، لمرحلة تفعيل مبادرة الدول الافريقية الأطلسية التي كانت قد وضعت لبناتها لأول مرة ذات 8 يونيو من سنة 2022 ببلادنا .
    …تلك المبادرة التي نظر لها و حمل لواءها المغرب عبر ثلاث نسخ من الا جتماعات الوزارية التي انعقد اثنان منها بالرباط وواحد بالضفة المقابلة للأطلسي نيويورك .
    عام ونصف فقط من وضع خارطة الطريق كانت كافية
    لكي يصدر اعلانان من الرباط ،ولكي تدرك الدبلوماسية المغربية التي يقودها جلالته من خلال حسها البرجماتي وقدرتها الاستشرافية والاستقرائية لموازين القوى عالميا ، انه لامجال لهدر الزمن ،وانه قد حان الوقت للمرور للسرعة القصوى لكي يتحول هذا الحلم الذي زود به جلالته قارته الى حقيقة ماثلة .
    فالمغرب يريد المزيد من التعاون والاندماج بين الدول الافريقية الأطلسية لأجل توطيد السلام والازدهار والاستقرار بهذه المنطقة…. .يريد شريطا اطلسيا أفريقيا مماثلا للشروط الأمريكي في ازدهاره ووحدته.
    لم يتطرق الملك للتفجيرات الدنيئة التي عرفتها السمارة ،لأنه اعتبرها اضعف من ان يلتفت اليها أسد هصور كالمغرب ،شيئا أشبه مايكون بحشرجة المحتضر أو برقصة الديك المذبوح ،و لذلك رأيناه،وتلك أخلاق الملوك ، قد فضل ان يرد على الدناءة والجبن والغدر، بالإمعان في نهج خيار البناء والعمران وتحقيق غاية الاستخلاف في الارض ، ليس لبلدنا فقط، وإنما ل23 بلدا افر،يقيا،بل وأكثر من ذلك ،لأن إمارة المؤمنين المتجذرة افريقيا ،لم تنس أن تمد يدها كذلك لدول الساحل المحصورة والحبيسة ،التي تكابد الأمرين من اجل التنمية، و التي تخنق أنفاسها بسبب الحين الجغرافي و بين كماشتي الإرهاب وأطماع الدول العظمي التي يسيل لعابها لما تزخر به من ثروات وامكانيات،فدعا جلالته من خلال فكرة من خارج الصندوق ، إلى مبادرة دولية لإيجاد منفذ لها على الأطلسي.
    ان جلالته،وهو يفصح عن هذا الاقتراح الفريد من نوعه لينبه كل الأفارقة الى ان سر قوة افريقيا إنما يكمن في تلاحمها وترابطها.ذلك ان
    افريقيا التي وصفها أمير الشعراء احمد شوقي قائلا: افريقيا قسم من الوجود– في شكله أشبه بالعنقود،لهي نفس افريقيا التي تدور بلب وخيال جلالته والتي يعمل لإيجادها لأنه عارف ان سر قوتها هو في ترابط حبات شكلها العنقودي، اي في تعاون حكوماتها التحام شعوبها قاطبة لربح التحديات الذي سيجعل منها أعظم القارات .
    إن هذا المشروع الأطلسي لجلالته يؤدي خدمة من نوع آخر حتى لخصومنا الذين أرادوا محاصرة المغرب بإغلاق حدودهم البرية والجوية، اذ سيكتشفون من خلاله تهافت مخططاتهم ومؤامراتهم ، ولربما سينتبهون لأول مرة الى أرض الله ومحيطاته الواسعة التي يمكن لها أن تستقبل وتستوعب المبادرات الخلاقة المبدعة للمغرب ،وسيفهمون ولو بعد فوات الأوان كم كانوا ساذجين حين توهموا ان المغرب سيقع في براثن القدرية الجغرافية التي حاولوا عبثا فرضها عليه. ولربما سيقتنعون انه بلد ترعاه عناية الله تعالى، وانه لايمكن خنقه أبدا مهما بيتوا له .
    إنه بالانتياه فوق هذا للتحولات التي عرفتها الدبلوماسية المغربية في السنين الأخيرة، ولتنويع الشراكات التي عمدت لها ،ولتنظيمنا المرتقب لمونديال 2030 بمعية دولتين بحريتين هما البرتغال واسبانيا ،وللعلاقات الجيدة والاستراتيجية التي صارت تربط المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا،وهما البلدان اللذان يكاد يحيط او يحيط بهما البحر من كل جانب ، وكذلك لما دعا له صاحب الحلالة من ضرورة إنشاء اسطول بحري تجاري قوي وتنافسي ،تكون الدولة المغربية قد صنفت نفسها او تريد أن تصنف نفسها بدءا من هذا الخطاب قوة بحرية سوف يقام لها ويقعد في المستقبل القريب .
    إن جلالة الملك يفتح أمامنا افقا و منفذا جديدا لحيازة القوة بدعوتنا الى أن نولي تجارتنا نحو المحيط نحو البحر ايضا ،ونتمتع ونستفيد بمزاياه في الحركة والحيوية اللوجستيكية.
    إنه مقتنع اننا نمتلك شروط هذا التحول الى قوة بحرية: مجتمعنا مولع بالبحر وموقعنا الجغرافي لا نظير له ،وشواطئنا مناسبة لتشييد المواني ومناخنا جيد .كتلتنا السكانية لابأس بها ،ومساحة بلدنا كبيرة وسواحلنا طويلة منذ أن عادت لنا صحراؤنا بالمسيرة الخضراء .كما أنه لاتنقصنا الآن القيادة السياسية الواعية بأهمية ان نمخر عباب المحيط ناشدين للتواصل الانساني ناشرين للتنمية باذلين للإشعاع القاري والدولي .
    مايلزمنا هو تحقيق المزيد من الموارد لأجل تجارة وازنة. وهذا يتأتى حسب خطاب الملك في الاستثمار في تحلية المياه التي ستطور الزراعة، وفي الاقتصاد الأخضر ،والطاقات المتجددة، والسياحة الاطلسية .
    كل هذا لم يكن ليبشر،به الملك لولا ارتياحه الى ان الرياح على مستوى المنتظم الدولي تسير وفق ماتشتهيه سفن المملكة ،وكذا يقينه التام من ان المغرب قد حسم قضية وحدته الترابية للأبد بتصاعد وتيرة التأييد الدولي لطرح الحكم الذاتي، وبالتنمية المستدامة التي تعرفها صحراؤنا المغربية في كل المجالات .
    ان هذا الخطاب لدليل على ان الأقاليم الصحراوية قد أصبحت قاطرة للوطن بأكمله افريقيا واطلسيا ،بل و صارت في عيون العالم و عيون الأفارقة بالخصوص علامة بما تحقق فيها من منجزات على ان المغرب بلد يمكن دائما التعويل والاعتماد عليه لرسم الطريق وتذليل الصعاب وتحقيق المستحيل ليس لنفسه فقط يل ولقارته أيضا .