آراء حرة

مخاطر التضليل الإعلامي على الأمن الأهلي والسلم الاجتماعي

 

بقلم / محمد القاضي

من خلال متابعتي لمختلف وسائل الاعلام الوطنية والدولية، لا بد من القول أن التضليل الإعلامي يهيمن على المشهد الاعلامي ، وهذا التضليل لا يتم عن طريق اي شكل من أشكال الخطأ ، بقدر ما ان اكثر من 95 % منه يتم بطريقة مقصودة وممنهجة لغاية في نفس يعقوب..
ويجب الإقرار في هذا الصدد أن التضليل الإعلامي يعتبر من أخطر أنواع الأسلحة التي يستخدمها الفاعل السياسي الفاسد والفاعل الحربي والفاعل الاقتصادي المضارب ولوبيات المصالح.
ويسعى صناع التضليل إلى تحقيق أهداف كثيرة من التضليل، تصب في مجملها في دائرة تصنيع رأي عام وتضييعه عن بوصلة الحقيقة وزعزة ثقته وإضعافها خصوصا تجاه حكومته وقيادة بلاده.

عملية فبركة الأخبار وتدليسها تتم بشكل متقن ، ومن الصعب جدا تكذيبها او التشكيك في مصداقيتها لكون ان صناع الفبركة والتضليل يربطون هذا التدليس بالشكل الظاهر لأحداث وقعت فعلاً لكن يبنى عليها وعلى أخطاء الإعلام في التعاطي معها أمام الرأي العام ليتلقفها الإعلام المضلل ويطرحها كما يريد ويتم تصديق جزء كبير منها بناء على غياب الحقيقة في الأصل.


ويرى مراقبون وخبراء الاتصال السيكولوجي أن مؤسسات ومنظمات غير حكومية تعد من أبرز حوامل التضليل وعمليات تأليب الرأي العام ضد نفسه ،خصوصا المنظمات التي تعمل على المستوى الدولي في مجال تقديم المساعدات الانسانية في المناطق الساخنة بالنزاعات الاهلية والحروب .
إذ أن الحقائق اثبتت تورط عدة منظمات في جرائم التضليل والفبركة ، وهي من تأخذ على عاتقها جرائم التضليل ، اذكر هنا على سبيل الذكر لا الحصر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العراق الذي مهد الطريق أمام المعبد النيوليبرالي لاتهام العراق بامتلاك اسلحة الدمار الشامل التي اتضح فيما بعد بأنها لسيت سوى فبركة لتبرير عملية تخريب العراق.

التضليل الاعلامي يدفعنا إلى طرح تساؤل عريض : ماهي العوامل الأساسية التي تؤدي إلى تأثير التضليل الإعلامي على الرأي العام، هل تكمن في مكرها أو قوة حبكها أم ضعف الإداراك لدى الرأي العام؟ وكيف يمكن تنمية الوعي الإدراكي لدى المتلقي في ظل التطور التكنلوجي المتسارع والذي يعطي إمكانات كبيرة لرسم أحداث وهمية لايمكن تمييز تفاصيلها عن الحقيقة؟ وماهي الأسباب الموضوعية التي تجعل من منظمات حكومية وغير حكومية منصات لتدمير كيانات الدول من الداخل وماهي القوانين التي يجب أن تحكمها؟ وهل تكفي الإجراءات الآنية لتلافي أخطار التضليل الإعلامي أم أن الأمر يحتاج إلى إستراتيجية متكاملة ومن نوع خاص…ماهو كنهها وماهي مرتكزاتها البنيوية؟

جوابا على هذا التساؤل العريض يقول الأكاديمي وأستاذ علم الإجتماع السياسي الدكتور محمد سيّد أحمد أن مسألة التضليل تتم عبر آليتين، الآلية الأولى هي آلية قوة وتأثير هذه الوسائل الإعلامية وخاصة الإعلام الجديد المتمثل بمواقع التواصل الإجتماعي التي إستطاعت قوى الشر العالمية عبرها من السيطرة على الرأي العام.

الآلية الثانية هي آلية تغييب وتزييف الرأي العام وعدم إدارك الرأي العام لأن عملية تشكيل الوعي تتم دائماً عبر عدة آليات وعبر مجموعة من وسائل تشكيل الوعي المجتمعي أهمها العائلة والمدرسة والجامعة والمؤسسات المجتمعية والدينية “.

ويشدد الأكاديمي سيد احمد بخصوص آليات تنمية الوعي الإدراكي لدى المتلقي في ظل التطور التكنلوجي أنه “لابد من عودة مؤسسات تشكيل الوعي الأساسية للقيام بدورها، وفي مقدمتها الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية ومؤسسات المجتمع المختلفة التي تلعب دوراً في تكوين هذا الوعي، لابد من عودة هذا الدور وأن لا يترك المواطن فريسة لوسائل الإعلام وخاصة وسائل الإعلام الحديثة، ولايجوز أن نترك أبناءنا وأطفالنا فريسة لها دون تدخل من الأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية ومؤسسات المجتمع المختلفة، ولابد من إعادة هذا الدور وخاصة في الأسرة والمدرسة التي تعد بمثابة اللبنة الأساسية لإعادة تشكيل الوعي الإدراكي لدى المواطن، وبالتالي يمكن أن يدرك المواطن مايتم من فبركته عبر وسائل الإعلام، وما يتم من تضليل لوعيه وتشكيل وعي زائف عبر هذه الوسائل”.

أما عن الأسباب الموضوعية التي تجعل من بعض المنظمات منصات لتدمير كيانات الدول من الداخل، ومدى كفاية القوانين الحالية لدرء خطرها يضيف الأكاديمي سّيد أحمد بالقول:”دعني أؤكد أن “الجنرال إعلام” كما أحب أن أسميه ، هو أحد أساليب الحرب الجديدة في إطار الجيل الرابع والخامس للحروب والذي إعتمدته قوى الشر العالمية ممثلة في كهنة المعبد النيوليبرالي الذي سيطر بالفعل على المنظمات الدولية، وأحد الأساليب التي إستخدمها هي السيطرة على وسائل الأعلام العالمية، وسيطر على منظمات المجتمع المدني في دول العالم الثالث وقام بتمويلها ومدها بالمال كي يسيطر ويهيمن عليها، وبالتالي يحاول من خلال هذه المنظمات السيطرة على المجتمعات من الداخل وعلى الرأي العام وعلى عقول المواطنين، وبالتالي يسهل التاثير عليه وتلقي كل التضليل و الفبركات التي تتم عبر وسائل الإعلام، ومن هنا لابد من مواجهة هذه المنظمات وكشف من يقف خلفها”.

إذن التضليل الاعلامي يشكل خطرا حقيقيا ليس فقط لامن واستقرار المجتمعات ولكن ايضا خطرا وجوديا لكياناتها ، ومن ثمة يجب التفكير بجد وبحس إنساني في بناء استراتيجية على اسس ومرتكزات قوية لمواجهة التضليل الاعلامي بحزم وصرامة.
ولأجل تفاذي وتلافي أخطار التضليل الاعلامي يجب اتخاذ اجراءات عملية قادرة على تشكيل الوعي وتنمية الادراك خصوصا المعلومات التي يكون مصدرها ما يسمى المنظمات الدولية التي تطرح نفسها كمناصرة للديمقراطية وحقوق الانسان وانها مستقلة ومحايدة ، وهي في الأساس غير محايدة بل يقف خلفها كهنة النظام الرسمالي العالمي وهو من يمولها ويضخ لها الملايين من الدولارات لخدمة أجنداته، وبالتالي لايمكن بأي حال من الأحوال الإعتماد على المعلومات والمواجهات التي تطرحها هذه المنظمات.
ونسجل ايضا ان هذه المنظمات غالبا ما تساهم في تمويل جمعيات مدنية بمجتمعات العالم الثالث والدول النامية لاستعمالها في تمرير اجندات كهنة المعبد الرأسمالي النيوليبرالي. ”
وفي الختام لابد من الاشارة الى أن التضليل الاعلامي ساهم بشكل فظيع في تخريب العديد من الدول العربية خلال موجة ما سمي بالربيع العربي وسرقة أمن الناس واحلامهم وحياتهم وممتلكاتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى