آدم و حواء : من صراع البقاء إلى سباق الاستقواء

  • بتاريخ : يناير 9, 2023 - 2:29 ص
  • الزيارات : 8
  • بقلم / محمد الراجي
    أضحى من الضروري الاعتراف بوجود صراع محتدم بين المرأة والرجل. صراع تم التخطيط له بأن يبقى سرا حتى تتعمق الهوة، وذلك بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية و تجارية.
    لكن شرارات الصراع تلك جعلته يطفو على سطح المشهد المجتمعي، لذلك وجب الإشارة إليه و مناقشة مسبباته التي زادت من وتيرة تفاقم الأزمة.
    لقد ساهمت في ذلك عوامل عدة، لكن حصة الأسد كانت من نصيب الإعلام المعياري في إثارة هذا الصراع القائم أساسا على المادة و تحقيق الاستقرار في جو أناني غريب يروم إلى التمركز حول الذات.
    فقد بدأ الإعلام مسلسله خدمة لأجندات مملات تهدف إلى تقزيم مفهوم العائلة التقليدي المكون من الجد و الجدة و العم و العمة…، وجعل الأفراد ينفرون من هكذا عائلة. نجد مثلا “السيتكومات الرمضانية”؛ مسلسلات فكاهية قصيرة أُريدَ بها عكسُ واقع المجتمع في مخيِّلة كاتب السيناريو، قد لعبت دورا هاما في تقويض تلك الزيارات العائلية و ما تحمله من خير و بركة.
    فباتت الأرحام مقطوعة طلبا في تسلق هرم العصرنة الذي ينبذ كل ما هو تقليدي بسيط، فتجد البعض يستعمل مفردات دالة على العنصرية “كالعروبية”.
    كل هذا حصل بسبب خلل في الخلية الخاصة بالتفكير السليم، حيث يعتقد من يعاني اضطراب ثنائي القطب أن أهالي القرية، هم أدنى مستوى من سكان المدينة. لذا، تجده يتنكر لجده و جدته مثلا، خوفا من ملاحظات الناس المحيطين به، و هذا ظنا منه أنها ستؤثر سلبا على مكانته في المجتمع، كما أنه لن يبرأ الأب و الأم من التعامل نفسه.
    بعد ذلك، انتقل الإعلام مباشرة إلى المرأة، لأنه يعي جيدا أنها تشكل عمود الأسرة التقليدية، أي تهتم بزوجها، و تلد، و تربي الأطفال على فطرة سليمة، و ترعاهم في محيط تسوده المحبة المتبادلة. لذا، جعلها تخجل من نفسها كونها ربة بيت. إن هذا المنهاج قد جعل المرأة محور عملية التضليل هذه، لأنها الحلقة الأضعف و الفجوة الأسهل للنفاذ إلى كينونة الأسرة. فأصبحت النساء اليوم يردن الاستقلال بذواتهن بعيدا عن الرجل الذي يشكل -حسب ما تم تسويقه لهن- عائقا حقيقيا لمستقبل مليء بالرفاهية..
    تريد النساء العصريات أن يشتغلن كما يشتغل الرجل في مناصب المسؤولية، كالرئيس و الوزير…، لكن لا يردن أن يشتغلن كعاملات في ورشة البناء. فإذا اشتغلت المرأة في منصب المسؤولية، تجدها في غالب الأحيان تنفق أموالها على نفسها في ما هو ثانوي للتظاهر فقط؛ كالتسوق والتباهي بالخرجات و المأكولات الجاهزة…، بينما يُفكر الرجل في بناء أسرة.
    إن المرأة إذا فكرت في بناء أسرة، فهي تفضل التزاوج الفوقي، أي أنها تبحث في الزوج المحتمل عن المستوى المادي و المعرفي الذي يفوق مستواها و المكانة الاجتماعية التي ستمنحها الشهرة السريعة، عكس الرجل الذي قد يتزوج امرأة ليس لها أي مستوى معرفي محدد.
    غردت برجر كينغ سابقا، بمناسبة يوم المرأة قائلة “مكان المرأة المطبخ”، ولاقت هذه التغريدة انتقادات لاذعة من طرف المدونين و الحقوقيين، حيث اعتُبرت (هذه العبارة) استفزازا للمرأة و استغلالا لها، بغرض لفت انتباه المستهلك والترويج لمنتجات سلسلة المطاعم المذكورة. فالمرأة اليوم وحسب ما تمت الإشارة إليه، يغيب عنها أنها تُستغل حين تكون خارج المطبخ أكثر بكثير من تواجدها داخله. و بغض النظر عما يقوله الدين، و لما في ذلك من حقيقة مؤلمة قد تصيب أبواق التنوير و مخلفات الاستشراق الذين يرفضون الاعتراف بهزيمتهم المتكررة أمام النصوص الدينية، بدأ الإنسان بالتدرج في ستر عورته منذ أول وهلات خلقه، باستعمال أوراق الأشجار أولا لتغطية الأماكن الحساسة فقط، و بعدئذ استخدم جلود الحيوانات و هكذا…، إلى أن غطى جسده بلباس أنيق يقيه برد الشتاء و حر الصيف. لكن سرعان ما بدا التبرج نوعا جديدا آخر من اللباس، و أُطلق عليه اسم “الأناقة والانفتاح”. هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على نظرية التطور المعكوسة في ثقافة البشر، أي أنه حقق تقدما إيجابيا في كل شيء إلا في لباسه، لأنه يعود (عكس بدايته) إلى ما كان عليه في أول نشأته (كما يحب تسميتها). والملاحظ اليوم أن بعض الشركات أضحت تركز على المرأة المتبرجة لتسويق منتجاتها أكثر من المحجبة، فأحيانا تشاهد على شاشة التلفاز في إشهار عابر، إمرأة ترتدي فستانا قصيرا بجانب ثلاجة و كأن الرسالة تقول: “اشتري ثلاجة تحصل على امرأة هدية!” أو على لوح في شارع تأكل جبنة بطريقة مستفزة.
    إن الذي قيل هو حقيقة مؤلمة، تم التخطيط والترويج لها إعلاميا من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، أي إلى تبخيس دور الرجل داخل بيت الزوجية. ومن بين المؤشرات التي تدل على تورط الإعلام في زعزعة قاعدة الأسرة، محاربته لكل ما من شأنه أن يعيد المرأة إلى مكانها الآمن، أي إلى بيتها مع زوجها و أبنائها. و لاشك في أن الكثير من أعداء المرأة الحقيقيين، سيرفضون هذه العبارة بشدة لكون المرأة ليست خادمة حتى تعمل في البيت و تربي أطفالها و تهتم بزوجها، لكنهم يقبلونها كسكرتيرة مستخدَمة لمدة تزيد عن ثماني ساعات أو جالسة أطفال في منزل أحدهم.