التغيير ممكن …ولكن ما العمل : دراسة تجيب على السؤال
——————————————
بقلم / محمد القاضي
في دراسة أجراها مركز فاس للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والبيئية في سنة 2018, حول المنشورات التي يتم بثها على مدار الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفايسبوك، وطريقة التفاعل معها (التعاليق)، خلص المركز إلى اعتبار هذه المنشورات والتفاعلات المرتبطة بها بمثابة آلية لتحديد نمط التفكير وسيكولوجية رواد الفايسبوك وبنيتهم السلوكية ظاهرها وباطنها.
وقد ارتكزت الدراسة على عينتين إثنين الأولى تهم منشورات إحدى المجموعات الفايسبوكية التي ينشط بها شباب إقليم تاونات، فيما المجموعة الثانية تهم شباب إحدى المناطق بشمال فرنسا.
الدراسة ركزت على مستوى جودة المضمون والرسائل المراد إيصالها أو التعبير عنها، ولم تأخذ بعين الاعتبار الأخطاء اللغوية والنحوية، على اعتبار أن مستويات رواد الفايسبوك التعليمية والعلمية تختلف من شخص لآخر، إذ أنه من ضمن رواد هذا العالم الأزرق نجد أشخاصا لم يلجوا أبدا المدرسة في حياتهم، ومنهم من غادروها في أسلاك الابتدائي أو الاعدادي أو الثانوي، وهناك رواد حاصلون على شواهد جامعية عليا ..إجازة، ماستر، دكتورة).
فبالرجوع إلى التأمل بالتحليل والدراسة والتمحيص والتشخيص في المنشورات التي تحتويها العينة الأولى (أي مجموعة فايسبوكية مجالية بإقليم تاونات)، ومقاربتها من الزوايا العلمية والاجتماعية والأنطولوجية والأنثروبولوجية)، نستشف بوضوح وجود خلل ما على مستوى الثقة في الذات والثقة في الأخر، وهذا راجع إلى تراكمات سلوكية سلبية نساهم نحن أبناء اليوم في تغذيتها وإذكائها وتوريثها –مع الأسف- للأجيال الناشئة، كما توارثناها نحن من الجيل السابق.
المعايير والمؤشرات التي استندت إليها الدراسة في تبيان هذا الخلل المرتبط بمسألة الثقة يمكن تحديدها في معيارين إثنين أولها هو مضمون هذه المنشورات نفسها (تدوينات وتعاليق)، إذ ان أغلبها عبارة عن تمرير رسائل أو إثارة قضية من القضايا المحلية أو إثارة أمور تافهة لا تستحق النشر ولا تستحق أن يهدر الانسان طاقته في سبيلها، ومع ذلك ينبغي احترام حرية أصحاب هذه المنشورات التافهة.
اما التفاعلات المرتبطة بهذا المنشور أو ذاك، تقع بها أحيانا انفلاتات ومغالطات -عن قصد او غير قصد- وتفتقد لحس نقدي بناء أو توجيهي أو تنويري أو تكميلي أو تكاملي، واحيانا نجد تعاليق أخرى تستهدف كاتب المنشور ولا تمت بصلة بمضمون المنشور، وتعليقات من هذا النوع تكشف لنا بوضوح عن التركيبة السلوكية والنفسية لكتاب هذا النوع من التعاليق، حيث يسعى من خلال تعليقه إما لإبراز قوته وإضعاف صاحب المنشور موضوع التعليق أو استعمال اساليب تجريحية وهلما جر من التعاليق التي غالبا ما تنبعث منها رائحة الحقد والكراهية والتعصب الحزبي الضيق بالإضافة الى وجود تعاليق وتفاعلات يسعى اصحابها الى زرع اليأس والاحباط وسعيهم الحثيث إلى محاولة صد باب الأمل والتفاؤل وإغلاقها أمام صاحب المنشور.
والغريب في الأمر أن الدراسة أبرزت أن البنية السلوكية وأنماط التفكير ومستويات الوعي في الأوساط الثقافية لا تختلف كثيرا عن زملائهم في الأوساط التي غادرت التمدرس في المراحل الاعدادية والابتدائية، إذ أن الاختلاف الوحيد القائم بينهم هو التعبير اللغوي على اعتبار أن الأوساط الأقل حظا في التعليم، لها فقر في مفردات اللغة.
أما المعيار الثاني التي استندت إليه الدراسة في تحديد خلل الثقة، يتعلق بوجود حسابات وهمية هائلة، إذ أن الدراسة كشفت أن عدد الحسابات الفايسبوكية على مستوى المجال الترابي الذي ينشط شبابه وأفراد مجتمعه بالفايسبوك، يضاعف عدد سكان هذا المجال الترابي الذين يتجاوز سنهم 15 سنة، كما أن الدراسة تمكنت من تحديد هوية العديد من الحسابات الوهمية، والكارثة العظمى أن أغلب هذه الحسابات الوهمية التي تم تحديد هوية أصحابها تعود لمثقفين ولسياسيين ومنتخبين.، وهذا يحلينا إلى طرح تساؤل عريض: لماذا يعمد هؤلاء إلى الاختباء وراء حسابات وهمية ومستعارة، هل لأجل قصف أعراض الناس أم لأجل مغالطتهم وتضليلهم أم لأنه ليست لهم الجرأة والشجاعة لتمرير الرسائل التي يمررونها بالاسماء المزيفة بأسمائهم الحقيقية؟ أليس هذا نفاق؟ أليس هذا تعبير عن عدم الثقة في الذات؟ الجواب على هذا التساؤل سيجرنا إلى مطبات أخرى تتعلق بضعف مستوى الوعي وطغيان التعصب الحزبي، وغياب الحس الأخلاقي وأزمة الثقة في الذات وفي الآخر.
في هذه المقالة أثير فقط الجوانب السلبية التي تضمنتها الدراسة، إذ في مقابل ذلك، يتواجد ضمن المجموعة الفايسبوكية موضوع الدراسة في العينة الأولى، رواد ومدونون يتمتعون برقي أخلاقهم وجودة إنتاجاتهم ومنشوراتهم التي تعطيك انطباعا بأنهم يجتهدون في إنتاج إبداعات وابتكارات ويحاولون قدر المستطاع الترفع عن الانزلاق في فخ استعمال لغات التجريح أو التبخيس من قيمة منشورات الأخرين، كما أن تعاليقهم راقية ودائما تكون محفزة أو توجيهية أو عبارة عن نقد بناء، يبرز لك مكامن الخلل أو الضعف في منشورك، ويعطيك آرائه ومقترحاته التي يعتقد أنها صائبة دون أن يقلل من شأن منشوراتك، وتلمس أيضا في منشوراتهم أنهم يميزون جيدا بين المكتوب وصاحب المكتوب.
أما الدراسة التي همت العينة الثانية ( المجموعة الفايسبوكية التي همت شباب إحدى المناطق بشمال فرنسا)، فقد كشفت بجلاء عن رقي فكر وسلوك أصحابها، إذ يستحيل أن تجد مفردات التجريح والتبخيس والتسفيه، سواء تعلق الأمر بمضمون المنشورات أو التعاليق التفاعلية. وجل المنشورات التي تم الاطلاع عليها ضمن هذه العينة موضوع الدراسة تهم قضايا مجتمعية أو ثقافية أو فنية أو رياضية أو بيئية والكل يساهم في الإثراء والإغناء، وإبراز مكامن الخلل ومكامن القوة والفرص الممكنة والعوامل المهددة للقضية موضوع النقاش والتحاور، ومن المواضيع المثارة في هذه العينة، هي الاجتهاد في ابتكار وسائل تمكنهم من مراقبة سلوك المنتخبين والمسؤولين ومساءلتهم بالأرقام والحصيلة وبوقع عملهم على واقعهم المعاش.
تلكم هي أهم الخلاصات التي كشفها فريق الدراسة التي أجريت تحت إشراف مركز فاس للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والبيئية، والتي يستشف منها أن التغيير يبدأ من تغيير ذواتنا وسلوكنا وإعادة النظر في أنماط تفكيرنا والالتحام حول القضايا التي تهم مجتمعنا ومستقبله ومستقبل أبنائه.
فعندما يقوم – مثلا – شخص ما ببث منشور ما حول قضية ما أو إثارة موضوع ما كموضوع الديمقراطية أو الحكامة الجيدة أو محاربة الفساد، نجد في مقابل ذلك تعاليق وتفاعلات تبث اليأس والإحباط وكأنها تريد أن تبعث لك برسالة مفادها ألا تخوض مرة أخرى في هذا الموضوع، مبررة ذلك بكون أن الفساد لا يمكن أن يحارب الفساد، وهذا الاسلوب ضمنيا يعني أن كل أفراد المجتمع فاسدون.
وهذا أمر غير صحيح، وينبغي أن نتعلم كيف نتفاذى لغة الاحباط ولغة التيئيس والتبخيس، لأن محاربة الفساد من عدمه، مثلا، تتوقف عليك وعلي وعلى الآخر، فإذا نحن حررنا أنسنا من هذه الأوهام وغيرنا ذواتنا وسلوكنا، فإنه باستطاعتنا ليس فقط محاربة الفساد، بل اقتلاع جدوره والدفع بمجتمعنا إلى اللحاق بركب المجتمعات المتقدمة والمزدهرة اقتصاديا واجتماعيا وفكريا وثقافيا ومؤسساتيا.
وعلى هذا الأساس، فإن التغيير يبدأ حيز التنفيذ فور الشروع في تغيير ذواتنا وسلوكنا والالتحام حول القضايا التي تعنينا جميعا وتعني مجتمعنا.
-لا تردوا على التعاليق التجريحية أو الخارجة عن موضوع المنشور، فهي وحدها تفضح سلوك صاحبها ونيته ومستوى أخلاقه.
– لا تتفاعلوا مع المنشورات التي تستهدف أعراض الناس دون إثباتات .
– لا تنساقوا وراء الشائعات أو المنشورات التي تبثها حسابات وهمية.
– لا تنساقون وراء التعصب الحزبي الضيق على حساب قضايا مجتمعنا الاساسية ونسيجه الاجتماعي