الإعلام التافه وعلاقته بالنيوليبرالية ومحاربة الأدمغة

  • بتاريخ : سبتمبر 22, 2022 - 12:10 م
  • الزيارات : 4
  •  

    بقلم محمد القاضي

    مع بداية تنامي الإعلام الرقمي في الدول المتقدمة قامت حكومات هذه الأخيرة بوضع لوحات تحذيرية مكتوب عليها « Stop making stupid people famous » ومعناها ” توقفوا عن جعل الأغبياء والتافهين مرشدين ومشهورين”.

    هذه الوصلة الإشهارية التحذيرية كانت موجهة تحديدا إلى أسرة الإعلام والصحافة، يُفهم منها أنها تذكر نساء ورجال الإعلام بأن رسالتهم نبيلة وعليهم ألا يهدرونها في التفاهة وترشدهم إلى صرف أنظارهم عن المواضيع التي تفسد قيم المجتمع وتزعزع هويته وتركيز عملهم نحو القضايا التي تهم المجتمع ومستقبله وإبراز تطلعاته وإبداعاته وتسليط الأضواء على أعلامه ونبغائه وأدمغته والقيام أيضا بدور الرقابة الشعبية للقرارات التي توصف بـ”اللاشعبية” وكيفية تدبير المال العام.

    لكن للأسف الشديد في مجتمعات الدول النامية ،عندما نقوم بجولة سريعة في الشبكة العنكبوتية للإطلاع على فحوى ومضمون المواقع الالكترونية المغربية، سنصاب بالصدمة والوعكة العقلية لغزارة العناوين التافهة التي تهيمن على العديد من هذه المواقع .. ومن العناوين التي أثارت استفزازي أدرج بعضها على سبيل الذكر لا الحصر:

    -فريوخة تقود إحساس إلى التوقيع على بيع حريته
    -الفايد يروج للشعوذة والخرافة
    -قطيع الفايد يدافع عن شعوذة مريدهم
    -الفنان فريوحة يعقد قرانه بالمسمومة شريمطة.
    -تيريزا تجري عملية جراحية لتكبير مؤخرتها
    -قمامة تخون زوجها لأنها ضبطته مع عشيقة
    -حقوقيون وحقوقيات يؤازرون حق الرجال في نكاح بعضهم البعض
    -صوفيا هزاتو تقول …..
    -علال بوخراريب يصنع قنبلة حز….قية
    -فلانة تأخذ سيلفيات مع عشيقها
    -“شفار مصنف ” يستضيف “الفنانة”XXX ويحرجها بأسئلة
    -ضبط عويشة بسروال طويل ..
    -راديو المفروح يجري حوارا مع متحول جنسي .
    هذه العناوين عبارة عن جرعات من السم موجهة خصيصا لتدمير العقل والتأثير عليه وعلى سلوكه وأفكاره مما يؤدي إلى تشكيل انماط حياة مدجنة وفارغة من قيم المجتمع وغربية عن هويته وتاريخه وأعرافه وتراثه، يكون فيها اللهث والجري وراء الماديات هو التمظهر الأبرز في واقع المجتمع.

    إعلاميون وصحفيون (لا أعمم) يحرقون طاقات كثيرة من جهدهم من أجل صناعة التفاهة والترويج لها ويسعون جاهدين إلى تتفيه المجتمع أي تحويله إلى مجتمع تافه وعاشق للتفاهة، واستغباء الوعي وصرف أنظار الناس عن القضايا المجتمعية الأساسية التي تهمهم وتهم همهم اليومي ومستقبلهم كالتعليم والصحة وجرائم المال العام والجرائم الاقتصادية وحقوق الإنسان وكرامته وآفاقه المستقبلية.

    فعندما نجد جزء من هذا الإعلام التافه يتسابق في إجراء مقابلات صحفية مع تافهين وتافهات ولواط ونقل أسرار الحياة الخاصة للناس وملاحقة التافهات لنقل روتينهم اليومي للناس وكأنه إنجاز عظيم ، في الوقت الذي لا يتورع هؤلاء في مهاجمة كل الأفكار النيرة وكل نبغاء هذا الوطن ومحاولة تلطيخ سمعتهم وشيطنتهم ..

    إن هذا الإعلام يتغذى من مائدة النيوليبرالية ويروج لخرافاتها وشعوذتها وخططها ويزين وجهها البشع ويشيطن من ينتقدها ( اللي عايق بالقوالب ديالها) ويجعل من شعار “اكذب اكذب ثم أكذب” طريقا لخطه التحريري حتى يصدق هو بدوره الكذب الذي ينقله للناس ويضخه في عقولهم، تماما كما يفعل الذباب الالكتروني الذي يتغذى من “خراء” الكائنات السياسية الريعية والمصاصة لدماء الفقراء والبؤساء.

    والهدف من هذا الإعلام الرخيص صرف أنظار الناس عن الوصفات الاقتصادية والسياسية الجهنمية التي تطبخ لهم في جنح الظلام وينفذها ساسة يعبدون المال والكراسي والجنس ولا يهمهم لا الأوطان ولا مصيرها ولا مستقبلها ولا هموم شعوبها ومعاناتها ولا عهودهم التي قطعوها على أنفسهم .

    وهكذا أضحت التفاهة في إعلامنا واقعا قائما بذاته له أعمدته وسوقه ومستهلكيه ، تُناط إليه مهمة ووظيفة ضخ السموم القاتلة في عقول المتلقين الذين ألفوا استهلاك هذا النوع من التفاهة وأصبحوا يتماهون معها.

    إنها سموم وتفاهات يسعى مروجوها بشكل ممنهج إلى تخريب مفاهيمنا الصحيحة والتأثير السلبي على قيمنا وأخلاقنا وغرس عادات هدامة ودخيلة، وبث الاستخفاف الغبي، الإسفاف، الجهل والغباء لدى فئات عريضة من الناس مغلوب على أمرهم ويبيعوننا بضاعة فاسدة عديمة الصلاحية تغسل أدمغتنا وتشيع الانحلال والجهل.

    وسيرا على هذا المنوال الاستجحاشي، أصبح الكثير من الإعلاميين الذين يتغذون من مائدة النيوليبرالية يدوسون على إرثهم الثقافي والفني والأدبي والعلمي ويرمون به إلى سلة الحضيض ويبثون لنا سلع إعلامية لا تحترم لا الذوق العام ولا القيم ولا أخلاقيات المهنة ولا ذوق الأفراد بما فيها التجني على لغتنا ، وتلفيق الأخبار الكاذبة، وصناعة عناوين فضائحية.

    رحم الله من قال “ما أجمل حرية التعبير حين تمارس بوعي ومسؤولية والتزام بأخلاقيات المهنة والتي من ركائزها احترام ثقافة المجتمع الذي تتوجه إليه برسائلها“.