آراء حرة

صرخة السودان أمام العدالة الدولية

✍️ اعتصام عثمان

في مشهد هو الأول من نوعه، يشهد العالم وقوف السودان وجهاً لوجه أمام الإمارات داخل أروقة محكمة العدل الدولية. ليس بالصراع العسكري، وليس بمفاوضات دبلوماسية، بل بسلاح القانون. رفعت السودان دعوى قضائية تتهم الإمارات بالتواطؤ مع قوى الظلام في دارفور. القضية ليست مجرد ورقة دعوى، بل هي صرخة أمهات فقَدن أبناءهن، ونداء أرواح بريئة استبيحت وديار دُمّرت.

وفقاً للدعوى المقدمة، تزعم السودان أن الإمارات قد قدمت دعماً عسكرياً ومالياً وسياسياً لقوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، ما تسبب في مجازر بشعة ارتقت إلى جرائم الإبادة الجماعية. هذه الاتهامات ترتكز على أدلة دامغة تمثل صرخات الضحايا، الذين لا زالوا ينتظرون العدالة في مناطق نزفت طويلاً من أجل البقاء.

ليس من السهل أن يتخذ السودان هذه الخطوة الجريئة، فهي لا تعبر عن صراع سياسي عابر أو اتهامات مرسلة، بل تمثل معركة أخلاقية وقانونية تسعى لإنصاف الشعب السوداني. الدعوى المقدمة طالبت أيضًا بتدابير فورية تلزم الإمارات بوقف كل أشكال الدعم للميليشيات التي تتسبب في تمزيق جسد الوطن.

هذه الدعوى تستند إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، مؤكدةً أن الإمارات لم تلتزم بما يفرضه عليها القانون الدولي. بل اختارت، وفقاً للاتهامات، دعم الفظائع التي ارتُكبت بحق الأبرياء في السودان. ومن هنا، فإن الدعوى أمام محكمة العدل ليست مجرد وثيقة قانونية، بل هي محاولة لاستعادة الإنسانية في وجه الفوضى.

ما يجعل هذه المعركة القانونية رمزاً تاريخياً ليس فقط شجاعة السودان في مواجهة قوة إقليمية كبيرة، بل أيضاً الأداء المميز لفريق القانونيين السودانيين، الذين أثبتوا أن الكلمة والعدالة يمكن أن تكون أقوى من كل الأسلحة والدبابات. هذه الدعوى ليست فقط مطالبة بحماية الحقوق، بل هي رسالة للعالم: أن القانون قادر على التصدي لأي مخطط يسعى لتمزيق الشعوب.

في زمن تُصادر فيه الأصوات، وتُقلب الحقائق، يأتي السودان ليتحدث بلغة الحق أمام محفل دولي يُحكم باسم القانون. هذه الخطوة قد تكون بداية لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية، حيث تصبح العدالة أولويات، وليس المصالح السياسية.

المعركة القانونية أمام محكمة العدل الدولية لن تكون سهلة، لكن مجرد رفع القضية يعتبر انتصارًا للضحايا وللعدالة التي لطالما تعثرت في صراعات السياسية. ومهما كانت النتيجة، فإن السودان خطى خطوة نحو رسم بصمة قانونية تخلدها الأجيال القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى