بقلم / زاهية فرج عطية علي
ناشطة جمعوية وحقوقية
كل شيء تلون بلون الحرب، فاضطرت النساء للعمل أثناء الحروب لسد الحاجة ولسد الثغرة التي تركها الرجل الذي ذهب الى الحرب، ومن ثمة قد يصبح في عداد القتلى أو المخطوفين أو في عداد المفقودين، فيصبح العبء ثقيلا على كاهل المرأة بدءا من تربية الأبناء وتدبير معاشهم اليومي وحمايتهم وتوفير الحنان لهم وانشغالها بمستقبلهم في ظل مجتمع يعش على إيقاع اللاستقرار واللاأمن،إذ أن هذه الحروب شكلت خللا في البنية الديمغرافية وانخفاض نسبة الرجال خاصة بعد أن امتدت الحرب لفترة طويلة وعلي فترات متقاربة.
لقد أدت أجواء اللاأمن وطول مدة الحروب إلى إفراز فسادا اجتماعيا واقتصاديا كانت ضحيته الأولى والأخيرة هي المرأة لكونها تتعرض للاعتداء والتهجير والاغتيال والاغتصاب وغيرها من المعانات الاجتماعية والنفسية وتجرعها لآلام فقدان أفراد من أهاليها ومعيلها ومعيل أولادها بسبب الحروب وتعطيل دور المؤسسات وآليات حفظ النظام العام علاوة على خوفها من المجهول.
إن المرأة الليبية بالرغم من كل هذه المعانات التي تجرعت آلامها، فإن هذه الآلام القاسية شحذت همتها وأضافت إلى وظائفها التقليدية وظائف أخرى كبرى من جملتها التشمير على سواعدها والانخراط في العمل المدني والسياسي لأجل فرض وجودها والدفاع عن حقوقها وفرض السلم والسلام والتأسيس لمجتمع المؤسسات والحقوق والترافع من أجل هذه الأهداف النبيلة تحت شعار كفا من الحرب وكفى من الفوضى وكفى من المصالح الفئوية والحزبوية وكفى جميع أنواع اللاأمن والاستقرار، كما أن هذه المعانات القاسية جدا أكسبت المرأة الليبية مهارات جديدة في مجال الابداع والعمل السياسي والمدني والالتصاق بالوطنية والمواطنة لأنه لم يعد أمامها خيار في ظل تحديات كبرى منها الافتراق عن الأهل وتزايد خطر العنف الجنسي والموت والحرمان.
المرأة الليبية ليست مجرد ضحية الأحداث السياسية والعسكرية التي عرفتها ليبيا خلال العشرية الأخيرة، تحتاج إلى العون والمساعدة، بل أثبتت قوتها وشجاعتها وصمودها وتحملها في زمن الحرب وأثبتت قدرتها على البقاء والصمود في ظل العديد من التحديات من أبرزها القيود الاجتماعية المفروضة عليهن في بلد مثل ليبيا أنهكته النزاعات والازمات المتتالية والتدخلات الاقليمية التي تسببت في إطالة أمد الأزمة والنزاعات، والذي لا يزال يعاني من الانفلات الأمني وعدم الاستقرار في كثير من النقط الجغرافية من هذه الارض المعطاء .
من الناحية الديمغرافية، تشكل النساء أكثر من 50 في المائة من سكان ليبيا وتلعب فيه المرأة دور أساسي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية خصوصا خلال العشرية الأخيرة التي تميزت بالنزاعات المسلحة والانفلاتات الأمنية.
تأثرت أغلب النساء بالحروب ولكن اللاتي تأثرن بشكل أكبر هن الأرامل والحوامل والمرضعات والفتيات الصغيرات والمرأة من ذوي الإعاقة وهذا هو الجانب الذي يجعل النساء أكثر عرضة للتهميش والأذى بسبب الحروب والنزاعات المسلحة والذي أدي الي تغيير الدور الأقتصادي والأجتماعي وتفكك الأسر والعمل في الدعارة والتسول والهجرة الي مدن أخري لأجل العمل كما قلت فرص الزواج وكثرت العنوسة وكثرت نسبة الطلاق للفتيات الصغيرات في السن .
ومن بين التأثيرات المباشرة والغير مباشرة علي النساء (الأثار الصحية) فهن يصبحن أكثر عرضه للاصابة بالامراض خاصة أثناء فترة الحمل والمصاعب التي تتعرض لها في الحصول على الخدمات الطبية (الصحة الأنجابية) والمسؤوليات التي تتحملها المرأة في مجال الرعاية الصحية علي الصعيد الريفي والحضري يعرضها لمخاطر حقيقية بسبب الالغام أو تبادل أطلاق النار وأعمال العنف المختلفة التي ترافق النزاعات المسلحة ناهيك عن ما تفرزه الحروب من تغييرات أجتماعية بعيدة المدي. فأغلب النساء الاتي وقع أزواجهن في الأسر أنفصلن عنهم أو طلقن في مخيمات النزوح فهن أصبحن علي غير وفاق مع أزواجهن بسبب تغيير الظروف الاقتصادية والمعيشية.
خلاصة القول أن النساء هن من يدفعن ثمن هذه الحروب وهن يكرهن الحرب والسلاح والعنف ولهذا فعي فريسة سهلة لهم…وهذا كان سببا رئيسيا لانخراط المرأة الليبية في الحياة المدنية والحقوقية والسياسية لأجل هدف واحد هو التأسيس لمجتمع المؤسسات والحقوق والسلم والسلام والمشاركة في تدبير السياسات العمومية وإنصاف المرأة وتمكينها من حقوقها كاملة غير منقوصة من خلال مشاركتها في صناعة القرار السياسي.