طالب زروالي يخرج مشروع مطعم “الكوبل الجبلي ” إلى حيز الوجود من رحم المعاناة وإرادة التحدي

  • بتاريخ : أغسطس 3, 2019 - 11:04 م
  • الزيارات : 6
  • بقلم / ذ عبد الحق أبو سالم

    المحن تصنع الرجال

    إنه الشاب محمد الرويجل ابن دوار تامسنيت بجماعة الرتبة التي بها عاش طفولته محروما من حُنُوِ الأب. فعاش رفقة أخته الوحيدة مع أمه التي شكلت بالنسبة له نموذج المرأة الحديدية التي قضت حياتها كالشمعة تحترق وحيدة من أجل أن تضيئ طريق ومستقبل أبنائها . حرمت نفسها من كل شيئ من أجل أن توفر كل شيئ لأبنائها. كان الطفل محمد الرويجل إلى جانب أخته بمثابة النقطة المضيئة في حياتها ترى فيهما كل مستقبلها . وهكذا تكبدت كل المشاق والمعاناة من أجل أن تحرص على الأقل على ابنها كي يتابع دراسته التي انطلق فيها من مدرسة تامسنيت البلدة الشامخة التي نفتخر بالإنتماء إليها نحن جميعا. فلما أنهى هذا الطفل العصامي دراسته الابتدائية ، وبفعل ضغوط الحياة اليومية سيغادر محمد اليويجل المدرسة في سن مبكرة ليلتحق للعمل كمساعد لحام( سدور) بإحدى الورشات التي قضى بها مدة سنة قبل أن تتدخل بعض الأيادي البيضاء لإعادته إلى المدرسة ليتابع دراسته الاعدادية من جديد.

    الانخراط في الجندية كان لا مفر منه لإعالة الاسرة.

    في سنة 2014 سيحصل هذا الشاب على شهادة الباكالوريا في العلوم الاقتصادية بميزة مستحسن. لكن أمام ضغوط الحياة ، ومن أجل توفير لقمة العيش لوالدته وأخته ، سيتوقف الطالب الرويجل عن الدراسة و سيطرق باب الجندية في محاولة منه لإعالة أسرته والاخذ بيد أمه التي كانت تشكل بالنسبة إليه أولوية الأولويات قبل الدراسة من أجل التخفيف عنها على الأقل ضنك العيش القاسية ببادية الشمال. وهكذا سيصبح محمد الرويجل ضابط صف يتنقل بين عدة مدن مغربية نذكر منها : مكناس ،الحاجب،الدار البيضاء،أوطاط الحاج ، الراشدية وبودنيب. حيث قضى في الجيش مدة 5 خمس سنوات من 2014 إلى 2019 وهي السنة التي سيضع فيها حدا لمساره العسكري لعدة أسباب دفعته لذلك.

    إن الشاب محمد الرويجل منذ كان طفلا وهو يحمل طموحا كبيرا بداخله. حيث كان تواقا إلى الحرية في حياته يحارب كل الأفكار الهدامة . لكنه ظل يحمل في نفسه غصة عدم إتمام دراسته. فلما دخل إلى الجيش كان يظن أن كل أحلامه يمكنه أن يحققها من داخل سلك الجندية . فشرع منذ انتهائه من التدريب والتكوين بتقديم طلب متابعة الدراسة الذي كان دائما يواجه بالرفض دون إعطاء مبررات في الموضوع رغم كون القانون يخول له ذلك على حد تعبيره . جواب الرفض كان بمثابة الشرارة الأولى التي ستفدع الرويجل إلى التفكير في مغادرة الجيش منذ البداية . وسيزداد اقتناعه بالفكرة بعدما أصيبت أمه بمرض عضال ألزمها الفراش عدة مرات، فلما بلغه خبر مرض أمه توجه إلى رئيسه من جديد وطلب منه الموافقة على رخصة إجازة من أجل زيارة أمه المريضة . فكان الجواب الذي تلقاه من رئيسه صادما حيث قال له: عندما تتلقى خبر وفاة أمك ، آنذاك سأوافق لك على رخصة الإجازة لتذهب لدفنها ، أما رخصة المرض فلن تحلم بها أبدا. 

    هنا سيصاب هذا الشاب بهستيريا سببت له بعد ذلك مرضا نفسيا اضطر معه لاستعمال الدواء للتخفيف عن نفسه الألم الذي لحقه بسبب الظلم الممارس عليه من طرف بعض رؤسائه في الجيش.
    ….كانت حياة الجندية جد قاسية بالنسبة له بسبب الحكرة والظلم وبسبب الحرمان الذي كان الرويجل يعيشه بمنطقة بودنيب الحدودية إلى جانب رفاقه من الجنود .حيث كان يدفعهم العطش إلى قضاء اليوم كله في الجري وراء الحمير الوحشية (التي تسمى هناك بالخلوية) من أجل إلقاء القبض عليها واستعمالها من طرف الجنود في البحث عن مياه الشرب المفقودة أصلا بالمنطقة وكان آنذاك ضابط الصف محمد الرويجل يشتغل مسؤولا عن نقطة حدودية Chef de poste ورغم هذه الحياة القاسية التي قضاها بالجندية إلا أنه يعترف أنه تعلم الشيئ الكثير منها وتعلم الصبر على المحن ، وليس هناك صبر أكثر من أن تُحْرَم من رؤية أمك وهي مريضة تتألم. 

    وبعدما يئس من إيجاد الحلول سيضطر إلى تقديم طلب الاستقالة من الجيش الذي هو الآخر قوبل بالرفض في البداية من طرف المسؤولين.وهكذا سيصل الرويجل إلى الباب المسدود، فانهارت حالته الصحية التي كانت سببا في استفادته من إجازة المرض المعروفة ب 29 داخل صفوف الجيش تكون قابلة للتجديد من طرف الطبيب المعالج . خلال هذه المرحلة سيطرق هذا الشاب أبواب بعض المطاعم المشهورة بفاس طالبا منهم الاستفادة من فترة تدريب يشتغل فيها بالمجان طيلة فترة الإجازة. حيث كان هدفه الاول هو اكتساب خبرة في تدبير المطاعم . وهكذا اكتسب الخبرة بعدما تردد على عدة مطاعم بفاس. 

    خلال هذه السنة 2019 ، غادر الرويجل الجيش بعدما تمت الموافقة من طرف رؤسائه على تسريحه ، ومباشرة بعدها تقدم بطلب المشاركة في امتحان الباكالوريا صنف المرشحين الأحرار فحصل من جديد هذه السنة على شهادة الباكالوريا الثانية بميزة مستحسن خولت له التسجيل بكلية الحقوق بفاس وهكذا ولج الجامعة من جديد كطالب بالسنة أولى حقوق فرنسي. 

    مشروع الكوبل الجبلي: أسباب النزول

    تبقى فكرة تنزيل مشروع الكوبل الجبلي من إخراج الطالب محمد الرويجل والتي راودته بعد أن تحرر من قيود الجندية بالكامل وحصوله على باكالويا ثانية واكتسابه خبرة في تدبير المطاعم .حيث تمت مناقشة الفكرة بشكل مستفيض مع مجموعة من الطلبة الذين حبذوا الانخراط معه في إنجاح الفكرة فالتأموا حولها منذ البداية . فإسم الكوبل الجبلي يرتبط أساسا بالطالب محمد الرويجل و الطالبة غزلان ناصِح والتي هي الأخرى ابنة جماعة الرتبة وابنة صديقنا عبد الله ناصح. هذه الطالبة التي تتبابع دراستها الآن بالسنة الثانية بكلية الشريعة . هذا الثنائي الذي اربتط في البداية على الحب الصادق وُثِّق فيما بعد بعقد زواج ، وهكذا اختارا أن يواجها الحياة معا، فكان الاتفاق على التضامن في العمل والدراسة وفي تدبير مشروعهما منذ البداية دون انتظار الحصول على الشواهد العليا وطرق باب الحكومة التي أصبح كل شيئ لديها مبني على التعاقد الفاشل.فتعاقد محمد بغزلان يضمن الكرامة خير من تعاقد الحكومة الذي لم يساهم إلا في خلق حرائق اجتماعية داخل جسم التعليم والصحة وغيرها. 

    طلبة غفساي يخلقون التمويل الذاتي دون اللجوء لأي جهة

    إن مطعم الكوبل الجبلي هو مطعم الطلبة بامتياز ، حيث كل الذين سيشتغلون به كعمال هم طلبة لا زالوا يتابعون دراستهم بالجامعة. والمشروع أيضا يجسد معنى التضامن والتعاون الحقيقي بين الرجل والمرأة على أرض الواقع بعيدا عن ضجيج الجمعيات التي تشتغل على قضايا المرأة دون أن تحقق لها ولو بصيصا صغيرا من الأمل الذي يضمن لها الكرامة داخل المجتمع . جمعيات تستثمر في قضايا المرأة وتربح على ظهرها ملايين الدراهم دون أن تعتمد مؤشرا حقيقيا قابلا للقياس في أرض الواقع. أسوق على سبيل المثال قضايا العنف ضد النساء التي كلما خصصت لها الدولة ميزانيات ضخمة كل سنة، إلا وازدادت ظاهرة العنف انتشارا في المجتمع . والسبب طبعا في الغالب يبقى اقتصاديا بالدرجة الأولى . فبدون الاستهداف والتمكين الاقتصادي للرجل والمرأة على حد سواء، لا يمكن للعنف أن يتراجع في المجتمع . ثم إن بعض الجمعيات التي تشتغل على الظاهرة لا تساهم إلا في ارتفاعها بشكل أو بآخر. وهذا طبعا يظهر من خلال ارتفاع عدد مراكز الاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف، وكذلك من خلال ارتفاع عدد النساء المعنفات في المجتمع وهذا خير دليل على كون الظاهرة تحولت إلى إشكالية تزداد انتشارا كل يوم وكل سنة . لأن الذي يشتغل على العنف لا يهدف إلى إيقافه أو محاربته. بل يهدف إلى جمع المال باسم محاربة العنف ضد النساء. فالمرأة والرجل يجب أن يُتْركا بعيدان عن هذه الجعجعة التي لاةتخلف طحينا وراءها . 
    مشروع الكوبل الجبلي خرج من منطقة يعيش سكانها في المغرب غير النافع الذي أصبح البعض اليوم داخل المؤتمرات وداخل قاعات الجامعات يرفض هذا المصطلح بدعوى أنه مصطلحا استعماريا وأن المغرب كله نافع من شماله إلى جنوبه .لكن الواقع يقول غير ذلك وقد ذكر جلالة الملك قضية الاختلالات المجالية عدة مرات في خطبه. فعدة مناطق بالبلاد لا زالت تعيش خارج التاريخ أسوق منها منطقة الأطلس والريف الذي لا زالت به قبائل بكاملها تعيش تحت الرعب الناتج عن متابعة السكان من طرف العدالة على مدار السنة بفعل نبتة الكيف . فالمنطقة التي انطلق منها الكوبل الجبلي غزلان ومحمد تدخل في هذا المضمار. لذلك فالثنائي غزلان ومحمد قاما بتمرير رسالة كبيرة للدولة وللشباب المُحبط واليائس من الحياة .رسالة مفاذها: أن الحياة بكرامة وبحرية وباستقلالية لا تقدر بثمن . كما أن الرسالة الثانية للشباب الغارق في الإدمان وفي التهميش : إن اليأس والاستسلام والقنوط هو مجرد حالة شعورية سلبية من السهل على الشباب أن يتخلص منها إذا توفرت لديه الإرادة والنظر الى المستقبل بطموح كبير . 

    في الختام ، إن مشروع مطعم الكوبل يعتبر من المشاريع التي ستجعل الجودة والثمن من بين أولوياتها، كما ستستهدف فئة الطلبة بأثمنة جد مشجعة طيلة السنة . 
    طاقم مطعم الكوبل يضم طلبة من مختلف الجماعات الترابية بدائرة غفساي أذكر أسماءهم على الشكل التالي : 

    • أيمن الديب: طالب حاصل على الماستر من كلية العلوم من دوار تامسنيت جماعة الرتبة.
    • عبد الالاه البحراوي: طالب بكلية الحقوق من دوار تامسنيت جماعة الرتبة .
    • ياسين المرابط: طالب بكلية الحقوق شعبة الاقتصادوالتدبير من دوار بابت البير بجماعة البيبان.
    • محمد لشقر: طالب بكلية الحقوق من دوار إيرملوذ بجماعة سيدي المخفي.
    • نفيسة الهاني: طالبة بكلية الحقوق من دوار تيسوفة بجماعة الودكة ابنة صديقنا عبد الحق الهاني.
    • يونس الشقروني: طالب بكلية الحقوق من دوار تامسنيت جماعة الرتبة.
    • عبد الخالق خضرون : طالب بكلية العلوم من دوار تامسنيت جماعة الرتبة.
    • محمد الحجوي: طالب بكلية الحقوق بدوار تامسنيت جماعة الرتبة. 
    • سمية العوني: طالبة بكلية الحقوق من إقليم صفرو.

    كما أن المطعم سيبقى منفتحا على توفير الشغل للطلبة في المستقبل مع الاشتغال على فكرة توسيع المشروع ليستهدف مدنا أخرى خصوصا الجامعية منها .

     زيارتكم لمطعم الكوبل الجبلي تعتبر تشجيعا لكل المبادرات الشبابية 

    https://youtu.be/fcZKy6pUjPg