آراء حرةالرئيسيةتعليممنوعات

دراسة أنجزها مركز للدراسات بفاس تكشف عن اختلالات في أنماط التفكير

بقلم /العيوني فاطمة الزهراء
في دراسة أجراها مركز فاس للدراسات الإستراتيجية والاقتصادية والبيئية حول المنشورات التي يتم بثها على شبكة الفايسبوك الاجتماعية، وطريقة التفاعل معها (التعاليق)، خلص المركز إلى اعتبار هذه المنشورات والتفاعلات المرتبطة بها بمثابة آلية لتحديد نمط التفكير وسيكولوجية رواد الفايسبوك وبنيتهم السلوكية ظاهرها وباطنها.
وأوضح محمد القاضي رئيس المركز أن الدراسة ارتكزت على عينتين إثنين الأولى تهم منشورات إحدى المجموعات الفايسبوكية التي ينشط بها شباب إقليم تاونات، فيما المجموعة الثانية ينشط بها شباب إحدى المناطق بشمال فرنسا.
وكشف المتحدث أن المركز سعى من خلال إجراء هذه الدراسة إلى التركيز على مستوى جودة المنشورات والتدوينات المراد إيصالها للجمهور أو التعبير عنها، ولم تأخذ بعين الاعتبار الأخطاء اللغوية والنحوية، على اعتبار أن مستويات رواد الفايسبوك التعليمية والعلمية تختلف من شخص لآخر، معللا ذلك بكون أنه من ضمن رواد هذا العالم الأزرق يتواجد أشخاص لم يلجوا أبدا المدرسة في حياتهم، ومنهم من غادروها في أسلاك الابتدائي أو الاعدادي أو الثانوي، وهناك رواد حاصلون على شواهد جامعية عليا ..إجازة، ماستر، دكتورة.
وتضيف الدراسة أن التأمل بالتحليل والدراسة والتمحيص والتشخيص في المنشورات التي تحتويها العينة الأولى (أي مجموعة فايسبوكية مجالية بإقليم تاونات)، ومقاربتها من الزوايا العلمية والاجتماعية والأنطولوجية والأنثروبولوجية)، تبرز بوضوح وجود خلل ما على مستوى الثقة في الذات والثقة في الأخر ومرض “الأنا”، وهذا راجع إلى تراكمات سلوكية سلبية يساهم أبناء اليوم في تغذيتها وإذكائها وتوريثها – مع الأسف- للأجيال الناشئة، كما توارثوها هم بدورهم من الجيل السابق.
ولفت المتحدث إلى أن المعايير والمؤشرات التي استندت إليها الدراسة في تبيان هذا الخلل المرتبط بمسألة الثقة يتمثل في معيارين إثنين أولها هو مضمون هذه المنشورات نفسها (تدوينات وتعاليق)، إذ ان أغلبها عبارة عن تمرير رسائل أو إثارة قضية من القضايا المحلية أو إثارة أمور تافهة لا تستحق النشر ولا تستحق أن يهدر الإنسان طاقته في سبيلها والدخول في ملاسنات تافهة بتأثير سلبي غالبا ما يكون تيئيسي وإذكاء الأحقاد وتضييع الحقيقة والتنوير يضيف المتحدث.
وفي السياق ذاته، وصلة بالتفاعلات المرتبطة بتدوينات ومنشورات العينة الأولى، سجلت الدراسة وقوع انفلاتات ومغالطات من حين لآخر -عن قصد أو غير قصد- وتفتقد لحس نقدي بناء أو توجيهي أو تنويري أو تكميلي أو تكاملي، وأحيانا وجود تعاليق تستهدف كاتب المنشور ولا تمت بصلة بمضمون المنشور، وتعليقات من هذا النوع تكشف بوضوح عن وجود تركيبة سلوكية نفسية تميز شخصية كتاب هذا النوع من التعاليق، حيث يسعون من خلال تعليقهاتهم هذه إما لإبراز “الأنا” وإما سعيهم لإضعاف صاحب المنشور موضوع التعليق أو استعمال اساليب تجريحية وهلما جر من التعاليق التي غالبا ما تنبعث منها رائحة الحقد والكراهية والتعصب الحزبي الضيق بالإضافة الى وجود تعاليق وتفاعلات يسعى اصحابها الى زرع اليأس والاحباط وسعيهم الحثيث إلى محاولة صد باب الأمل والتفاؤل وإغلاقها أمام صاحب المنشور.
وعبر المتحدث عن استغرابه لكون أن الدراسة أبرزت أن البنية السلوكية وأنماط التفكير ومستويات الوعي في الأوساط الثقافية لا تختلف كثيرا عن زملائهم في الأوساط التي غادرت التمدرس في المراحل الاعدادية والابتدائية، إذ أن الاختلاف الوحيد القائم بينهم هو التعبير اللغوي على اعتبار أن الأوساط الأقل حظا في التعليم، لها فقر في مفردات اللغة.
أما المعيار الثاني التي استندت إليه الدراسة في تحديد خلل الثقة، يتعلق بوجود حسابات وهمية هائلة، إذ أن الدراسة كشفت أن عدد الحسابات الفايسبوكية على مستوى العينة الأولى، يضاعف عدد السكان الذين يتجاوز أعمارهم 15 سنة في المجال الترابي الذي ينشط بهذه المجموعة ، مبرزا أن الدراسة استعانت بتطبيقات رقمية متطورة وبخبرة أهل الاختصاص في تحديد هوية العديد من الحسابات الوهمية، والكارثة العظمى أن أغلب هذه الحسابات الوهمية التي تم تحديد هوية أصحابها تعود لسياسيين ومنتخبين ومقاولين ، وهذا يحلينا إلى طرح تساؤل عريض: لماذا يعمد هؤلاء إلى الاختباء وراء حسابات وهمية ومستعارة، هل لأجل قصف أعراض الناس أم لأجل مغالطتهم وتضليلهم أم لأنه ليست لهم الجرأة والشجاعة لتمرير الرسائل التي يمررونها بالاسماء المزيفة بأسمائهم الحقيقية؟ أليس هذا تعبير عن عدم الثقة في الذات؟ الجواب على هذا التساؤل سيجرنا إلى مطبات أخرى تتعلق بضعف مستوى الوعي وطغيان التعصب الحزبي ونية السطو على حقوق الغير ، وغياب الحس الأخلاقي وأزمة الثقة في الذات وفي الآخر.
وأورد رئيس المركز أن الدراسة أيضا كشفت ، في مقابل ذلك، أن العينة الأولى يتواجد بها أيضا رواد ومدونون يتمتعون برقي أخلاقهم وجودة إنتاجاتهم ومنشوراتهم والتي يمكن لأي شخص له دراية بالشأن الثقافي والفكري سيتولد له انطباع بأنهم يجتهدون في إنتاج إبداعات وابتكارات ويحاولون قدر المستطاع الترفع عن الانزلاق في فخ استعمال لغات التجريح أو التبخيس من قيمة منشورات الأخرين، كما أن تعاليقهم راقية ودائما تكون محفزة أو توجيهية أو عبارة عن نقد بناء، تبرز مكامن الخلل أو الضعف في المنشور موضوع التعليق، ويبدون آرائهم ومقترحاتهم التي يعتقدون أنها صائبة دون أن يقللوا من شأن المنشورات موضوع التعليق ، وتلمس أيضا في تعاليقهم أنهم يميزون جيدا بين المكتوب وصاحب المكتوب.، كما أن الدراسة أثارت ملاحظة في غاية من الأهمية بخصوص هذه العينة، حيث كشفت أن العديد من الرواد بهذه العينة يتطاولون على الخوض في مواضيع ليسوا أهلا لها ولا يفقهون فيها أي شيء ، ومع ذلك لا يجدون أي حرج في الخوض فيها والتطاول على من هم أهلا لها والدخول معهم في جدالات عقيمة وإنشائية سطحية بعيدة كل البعد عن جوهر المنشورات موضوع النتفاعلات.
أما الدراسة التي شملت العينة الثانية ( المجموعة الفايسبوكية التي همت شباب إحدى المناطق بشمال فرنسا)، فقد كشفت بجلاء عن رقي فكر وسلوك أصحابها، إذ من الصعب جدا أن تجد مفردات التجريح والتبخيس والتسفيه، سواء تعلق الأمر بمضمون المنشورات أو التعاليق التفاعلية. وجل المنشورات التي تم الاطلاع عليها ضمن هذه العينة موضوع الدراسة تهم قضايا مجتمعية أو ثقافية أو فنية أو رياضية أو بيئية والكل يساهم في الإثراء والإغناء، وإبراز مكامن الخلل ومكامن القوة والفرص الممكنة والعوامل المهددة للقضية موضوع النقاش والتحاور في شأنها في أجواء يسودها الاحترام والتثمين والرقي الفكري وآدب الحوار والتحاور .
تلكم هي أهم الخلاصات التي كشفها فريق الدراسة التي أجريت تحت إشراف مركز فاس للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والبيئية، والتي يستشف منها أن التغيير يبدأ من تغيير ذواتنا وسلوكنا وإعادة النظر في أنماط تفكيرنا والالتحام حول القضايا التي تهم مجتمعنا ومستقبله ومستقبل أبنائه.
فعندما يقوم – مثلا – شخص ما ببث منشور ما حول قضية ما أو إثارة موضوع ما كموضوع الديمقراطية أو الحكامة الجيدة أو محاربة الفساد، نجد في مقابل ذلك تعاليق وتفاعلات تبث اليأس والإحباط وكأن أصحابها يريدون إيصال رسالة مفادها عدم الخوض في هذا الموضوع أو ذاك، يعني في نظرهم نكف أيدينا وننتظر السماء لعلها تمن علينا بالذهب والفضة، مبررين ذلك بكون أن الفساد لا يمكن أن يحارب الفساد، وهذا الاسلوب ضمنيا يعني أن كل أفراد المجتمع فاسدون وهذا بدوره يؤكد فقدان الثقة في الآخر.
وهذا أمر مرفوض وغير مقبول ، بل ينبغي على الإنسان أن يتعلم كيف يتفاذى لغة الاحباط ولغة التيئيس والتبخيس، لأن محاربة الفساد من عدمه، مثلا، تتوقف عليك وعلي وعلى الآخر، فإذا نحن حررنا أنسنا من هذه الأوهام وغيرنا ذواتنا وسلوكنا، فإنه باستطاعتنا ليس فقط محاربة الفساد، بل اقتلاع جدوره والدفع بمجتمعنا إلى اللحاق بركب المجتمعات المتقدمة والمزدهرة اقتصاديا واجتماعيا وفكريا وثقافيا ومؤسساتيا.
وعلى هذا الأساس، فإن التغيير يبدأ حيز التنفيذ فور الشروع في تغيير ذواتنا وسلوكنا والالتحام حول القضايا التي تعنينا جميعا وتعني مجتمعنا.
ولأجل تطوير الحوارات والنقاشات الافتراضية على العالم الأزرق بالشكل الذي يؤسس لمجتمع القانون والمؤسسات وصونا للمكتسبات، توصي الدراسة رواد ونشطاء الفايسبوك، بالعمل على تجاهل التعاليق التجريحية أو الخارجة عن موضوع المنشور، فهي وحدها تفضح سلوك صاحبها ونيته ومستوى أخلاقه، أو اللجوء للقضاء في حالة العنف اللفظي (السب، القذف، التجريح، التهديد…) عبر حوائط الفايسبوك، كما توصيهم بعدم التفاعل مع المنشورات التي تستهدف أعراض الناس وبعدم الانسياق وراء الشائعات أو المنشورات التي تبثها حسابات وهمية وعدم الانسياق وراء التعصب الحزبي الضيق على حساب قضايا مجتمعنا الاساسية ولحمة نسيجه الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى