من المفهوم الجديد للسلطة إلى إعلان ثورة ثلاثية الأبعاد : ماذا تحقق؟
لقد عرف المغرب تعيين عدة لجن من طرف جلالة الملك نذكر أهمها :
👈لجنة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية
👈اللجنة الاستشارية للجهوية
👈لجنة مراجعة الدستور
👈لجنة الإعداد لجيل جديد من البرامج التنموية التي سترى النور قريبا
وقد عرف المغرب كذلك خُطبا مهمة للملك كان أولها الخطاب الملكي لسنة 1999 حول المفهوم الجديد للسلطة والذي أراد به جلالة الملك آنذاك بأن يتحول رجل السلطة إلى رجل تنمية يهتم بانتظارات المواطنين ويشارك في تحريك عجلة التنمية . لكن باستثناء بعض الشرفاء من رجال السلطة ظل العديد منهم قابضا على السلطة بالنواجد، وبعدها بِسِتِّ سنوات فقط،سيكون الشعب المغربي على موعد مع خطاب ملكي جديد سيعترف فيه الملك بكون المغرب لا زال يتخبط في الفقر المدقع مما جعل عدة جهات بالعالم تسمي ملك المغرب بملك الفقراء ، فكان لهذا الملك الجرأة القوية بأن يعلن رسميا عن وجود الفقر بالبلاد. وهو تقليد مخالف لما ذهب فيه الملوك والرؤساء قبله باستثناء الحسن الثاني الذي كان قد أعلن بكون المغرب مهدد بالسكتة القلبية. إلا أن خطاب الملك لن يثن الحكومات على الاستمرار في الترويح لسياسة العام زين . و رغم ذلك ،فالملك لم يعر أي اهتمام للأرقام التي كانت تقدم له أو الارقام التي كانت تقوم الحكومة بنشرها عن واقع التنمية بالبلاد، وهكذا قام الملك بإطلاق أكبر برنامج اجتماعي في 18 ماي من سنة 2005 . حيث شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ثورة اجتماعية مهمة ، كان لها الأثر الكبير في نشر ثقافة التضامن داخل المجتمع المغربي رغم محدودية مشاريعها التنموية. وقد كان للمبادرة كذلك وقع كبير على المستوى التنظيمي بالمغرب ، حيث ارتفع عدد الجمعيات والتعاونيات بشكل غير مسبوق ،شكل صندوق المبادرة في هذا الشأن ذلك الثدي الرئيسي المملوء بالحليب و الذي يروي ضمأ هذه الجمعيات ،التي العديد منها لم تستطع المبادرة إفطامه رغم طول سنين الرضاعة. وهكذا ظل المغرب يشتغل ويكابد في محاولة منه للخروج من بوتقة الجهل والفقر والتخلف إلى أن اقتربت سنة 2011 فكانت محطة فاصلة للمرحلة الأولى من المبادرة جعلت الملك بتاريخ 4يونيو 2011 يعطي الانطلاقة للمرحلة الثانية من المبادرة بمدينة جرادة التي كان لي فيها شرف الحضور بالخيمة الملكية آنذاك . وهي السنة نفسها التي سيعرف فيها العالم العربي هَبَّة اجتماعية أتت على الأخضر واليابس بالعديد من الدول ، فكان لزاما على جلالة الملك أن يخرج من جديد لدق ناقوس الخطر وإلقاء خطاب قوي يوم التاسع من مارس 2011 ، هذا الخطاب الذي قدم فيه جلالة الملك رزمانة من الإصلاحات الكبيرة ،فعاش المغرب خلال يوليوز من نفس السنة على وقع قراءة جديدة شاملة للدستور المغربي وصل فيه الحد إلى مناقشة التعديلات المرتبطة باختصاصات الملك نفسه ، وهكذا استطاع الملك محمد السادس أن يُجَنِّب المغرب الهَبَّة العربية التي لم تترك إلا الفتن والفوضى في كل الدول التي عاشت ظروف الخريف العربي. حيث تساقطت في هذا الفصل السياسي الاجتماعي كل أوراق الشجر بكل من تونس وليبيا ومصر واليمن وعمت الفتن بالدول الأخرى كسوريا واليمن التي لا زالت فيهما الحرب إلى الآن، عملت هذه الحرب على استبدال شعب بكامله بفعل ارتفاع نسبة الطرد القسري نحو الخارج وانتشار رائحة الموت اليومي في كل هذه الأقطار .
مرت سنوات على خطاب 2011 ، فعاد الملك من جديد للإعلان عن محدودية البرنامج التنموي ، والذي ذهب البعض فيه إلى القول بفشل البرنامج التنموي جملة وتفصيلا ، لكن في اعتقادي يبقى الوصف بالمحدودية هو الصواب لأن الفشل يعني أن لا شيئ تحقق وهذا غير صحيح . في خضم هذا المخاض قام الملك كذلك بالتساؤل عن ثروة البلاد بطرحه للسؤال الشهير : أين الثروة ؟ خصوصا بعد ظهور حرائق اجتماعية هنا وهناك بكل من الحسيمة وجرادة وزاكورة وغيرها.أبانت الحكومة عن عجزها الواضح في تدبير وإطفاء هذه الحرائق التي عصفت بمجموعة من الرؤوس الوزاريةوالإدارية وكذا بموظفين سامين في مختلف أسلاك الدولة أخذت منها وزارة الداخلية حصة الأسد.
رغم كل هذا ، استمرت الحكومة في الاشتغال بمنطق العام زين ، في وقت نجد فيه ملك البلاد دائما يدق ناقوس خطر الوضع الاقتصادي في كل مرة تتاح له الفرصة لذلك بمخاطبة الشعب ، فهل يمكننا القول أن واقع التنمية لا يُرى إلا بعين الملك؟ أم أن الحكومات تعرف الواقع المر لكن الأهداف الانتخابية تلزمها الصمت والمراوغة؟
اليوم ومن خلال خطاب العرش لسنة 2019 ، خرج الملك من جديد بخطاب قوي يضرب في كل الذين يُسَوقون للأرقام بعيدا عن الواقع التنموي للبلاد الذي لازال ينخره الفقر ،ولا زالت الاختلالات المجالية به ضاربة لأطنابها ، وهذا يجرنا إلى طرح سؤال آخر : ما قيمة التقطيع الجهوي الجديد إذا كانت هوة الاختلالات ستزداد اتساعا ؟ فرغم كون الخطاب الملكي لم يتطرق للجهوية بشكل صريح إلا أنه اقترب من الاعلان عن فشل التجربة الجهوية بالمغرب . هذه الجهوية التي سُمِيَّت بالموسعة ، فهل يقصد منها توسيع دائرة الاختلالات بين الوحدات الترابية ؟ أم ماذا يقصد بكلمة موسعة؟ إذا كانت الجهة سوف لا تشكل ذلك الأمل للسكان الذين طال انتظارهم له من أجل تحقيق الرفاهية والارتياح .فالسكان اليوم ازداد امتعاضهم من اتساع دائرة التهميش.
خطاب الملك اليوم كان قويا لأنه حقيقة وضع الأصبع على الداء .وخرج بصريح العبارة بكون هناك بعض المسؤولين في دواليب الدولة ضد التنمية ولا يريدون للبلاد أن تتقدم وذلك خوفا على ضياع مصالحهم الشخصية . وهذا يعني أن هناك أشخاصا لا يهمهم إلا الحفاظ على مصالحهم ولتذهب البلاد إلى الجحيم ❗وهذا أمر خطير للغاية ، فلإنقاذ البلاد لا بد من التخلص من هؤلاء الطينة من البشر في أقرب الآجال وتعويضهم بالكفاءات القادرين على إعلان ثورة ثلاثية الأبعاد كما جاء ذلك في الخطاب الملكي ترتكز أساسا على : تخليق الحياة العامة وتبسيط مساطر الاستثمار ثم النجاعة في العمل التي تبقى هي الأساس . ولتحقيق هذا سيكون الملك مضطرا من جديد إلى تعيين لجنة قادرة على إخراج المغرب من وضع الانغلاق السلبي الذي أصبح فيه وإعلان جيل جديد من البرامج والمشاريع التنموية القادرة على امتصاص الغضب الاجتماعي والرفع من مؤشر التنمية بالبلاد .
وعندما أشار الملك الى كون مجموعة من القطاعات لا تتوفر على الكفاءات وأنه حان الوقت لاعتماد الاستحقاق في كل المجالات ، فهذه رسالة إلى كل من كان يعتمد سياسة باك صاحبي التي أغرقت دواوين الوزراء وأغرقت المناصب العليا بأشخاص لا يستحقون ذلك، فولوجهم إلى تلك المواقع كان بدافع القرابة السياسية أو القرابة العائلية من أحد المسؤولين الكبار . ويبدو أن جلالة الملك في هذا الباب على علم بتفاصيل التفاصيل حول ما يجري ويدور من خبايا الأمور داخل دواليب الحكومة وغيرها.لذا ذهب الملك في الخطاب مباشرة إلى رأس الحربة الذي هو رئيس الحكومة وأعطاه أجلا لتدارك الوضع القائم الذي لا يبشر بخير.
فشكرا جلالة الملك على هذا التشريح الدقيق للواقع المغربي ، وشكرا على هذه الجرأة الغير مسبوقة لدى حكام العرب .فالملك سبق وأن قال في خطاب سابق: إننا نتوفر على ما يكفي من التشخيصات ، والملك هنا يعي ما يقول فكم من مكاتب تمكنت من أموال ضخمة التهمتها الدراسات فبقيت مشاريع التنمية بمثابة حبر على ورق يتم عرض نتائج دراساتها بين الفينة والأخرى على الحضور في القاعات ويبقى التنفيذ من سابع المستحيلات . فأنا أعرف إقليما التهمت فيه ميزانية الدراسات ملايير الدراهم ، وكان الذي فاز بصفقات الدراسات من أقارب واصدقاء المسؤول تربطه به علاقة وُدٍّ ووئام وبقيت الانتظارية في هذا الاقليم تقتل السكان إلى أن جاء مسؤول جديد فبذل قصارى جهده لتحريك المياه الراكدة ويستحق منا الشكر والتقدير في هذا الباب على وطنيته الحقة .ومن مشاكل الدراسات ومراقبي ومتتبعي المشاريع ،فإن هذه الأخيرة(المشاريع) يتم تنفيذها بجودة تثير دائما استنكار وامتعاض السكان .
فشكرا مرة أخرى لملكنا المناضل،لملكنا الانسان الذي يحس بمرارة الواقع كباقي البشر ، فبعد هذا الخطاب ،أصبح على الأحزاب لزاما، إما أن تأخذ العبرة من كل ما جاء به الملك وتبدأ في الاشتغال بصيغة جديدة تبنى على الفعالية والنجاعة، وإما أن تغلق أبوابها ، لأن رائحة الفساد السياسي أزكمت الأنوف ووصلت هذه المرة إلى أعلى سلطة في البلاد.
السؤال الأخير والمهم الذي سيبقى مطروحا اليوم بعد خطاب العرش 2019 : هل ستستطيع لجنة الجيل الجديد من الإجابة عن معضلة التنمية بالبلاد أم سيكون جلالة الملك مضطرا للعودة مرة أخرى لتقديم النتائج الغير مُرضية لشعبه الوفي؟
كل متمنياتي الصادقة أن أرى مغرب المستقبل في أحسن حلة والله شهيد على ما أقول.
عبد الحق أبو سالم فاعل سياسي ، باحث ومتتبع لقضايا التنمية.
فاس في : 30 يوليوز 2019
إرسال تعليق