تشويه مفهوم الحداثة لضرب الطبيعة الإنسانية

  • بتاريخ : مارس 30, 2023 - 12:07 ص
  • الزيارات : 7
  • بقلم / محمد القاضي

    من خلال ما يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية من كلام منسوب لعبد اللطيف وهبي في مفهومه للحداثة، نفهم أن مفهوم الحداثة عند وهبي ومن يدور في فلكه من الذين يسمون انفسهم بالحداثيين ، يتم اختزاله في إلغاء الهوية والتاريخ والثقافة والقيم واستبدالها بأسلوب حياة يتخلى عن المبادئ الأساسية والسامية لنواة الأسرة والقضاء على مفهومها، واستبدالها بسلعة “الحداثة الرأسمالية” التي يريد المعبد النيوليبرالي زرعها في مجتمعاتنا الإسلامية وغير الإسلامية.
    واللافت في هذا الأمر أننا نستنتج من خرجات وهبي بأنه متحمسا جدا لاستغلال سلطته كوزير للعدل لتمرير تشريعات وقوانين تؤسس للحداثة التي تقضي على مفهوم الأسرة وإلغاء المبادئ الدستورية التي تعتبر أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام

    وفي هذا السياق لابد من استحضار مقتبس من كلام جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب له ثراه جاء في كتاب “ذاكرة ملك” – الصفحة 147 : “إذا كان المقصود بالحداثة، القضاء على مفهوم الأسرة، وعلى روح الواجب إزاء الأسرة، والسماح بالمعاشرة الحرة بين الرجل والمرأة والإباحية عن طريق اللباس، مما يخدش مشاعر الناس.. إذا كان هذا هو المقصود بالحداثة،فإني أفضل أن يعتبر المغرب بلدا يعيش في عهد القرون الوسطى على أن يكون حديثا”.
    ونفس الكلام كرره جلالة الملك محمد السادس شفاه الله في إحدى خطبه السامية سنة 2022: لا أحلل ما حرمه الله ولا أحرم ما حلله الله”.

    وفي ذات السياق يرى المفكر المغربي عابد الجابري أن الحداثة من أجل الحداثة لا معنى لها، لأنها بذلك تتحول إلى مجرد شعار وأجرأة سطحية تزيينية لا عمق لها ولا جدور وتؤول في النهاية إلى محاولة لسلخ الذات وجلدها واقتلاعها من شروط وجودها دون تأصيل للحرية والإبداع والتنمية والانتاج، ولذلك يؤكد الجابري على كون الحداثة تجربة تاريخية عميقة تكابدها المجتمعات المدعوة نامية، ولكل مجتمع حداثته وفهمه الخاص للحداثة الذي لا يختلف عن التصور النموذجي لها في العمق، لأنه يستحضر تاريخيته وجدلية الكوني والخاص في حياة الشعوب ، فالحداثة نمط من المعرفة والسلوك يصعب استيعابه وتطبيقه دون فهم الشروط الشروط الذاتية لمجتمعات ما زالت تعيش التخلف والتقليد والاستبداد، هكذا تصبح الحداثة في نظر الجابري مشروعا معقدا لا مجرد شعار ، أو نمط من الايديولوجيا المسخرة في صراعات مفتعلة، أو من أجل السطو على السلطة وتكريس مزيد من التبعية والجمود والتخلف، مشروعا يضع ضمن أولوياته تثبيت العقلانية والطيمقراطية كشرطين أساسيين لقيام أي حداثة، وبهذا تكون الحداثة إنجازا وليست نماذج للاستهلاك والاسقاط كما يحدث عندنا، ولذلك فشلت حداثتنا، إنها صيرورة طويلة ومعقدة ومسبوقة بالوعي الحداثي العقلاني وبناء ديمقراطية حقيقية، لا منطلقا علميا وسرا تمتلكه النخبة ، أو كائنا جاهزا ماضويا أو مستوردا.

    ويعرض الجابري مفهوم الحداثة باعتباره ظاهرة تاريخية مشروطة بالسياق الزمني والمكاني الخاص ومرتبطة جدليا بالعقلانية والديمقراطية .
    ونازع معارضي هذا المفهوم ممن يعتبرون الحداثة مفهوما كونيا كاملا لا يتجزأ يؤخذ كما هو باستدلالات منطقية قادت الجابري إلى تأكيد أطروحته التي نسج خيوطها في بداية نص أطروحته واستثمر العدة الاسلوبية الداعمة للحجاج بما فيها روابط لغوية ومنطقية واستعمالات تعزز الوظيفة الإقناعية للغة المستعملة.
    ويعتبر الجابري أن الحداثة كنموذج غربي منوه به، بالفهم الخاص او الكوني ، وإن حققت الكثير من التقدم العلمي وطورت الحياة المادية والاجتماعية للانسان، انتهت الى تفريغ العالم الحر من مدلولاتها بما أخفته من براغماتية ترتكز على منطق السوق والتجارة وتسوغ الهيمنة الاستعمار ونهب خيرات الشعوب الضعيفة وإخضاعها للتبعية وتبرر العنف والحروب ضدها، وتهدد البيئة وتشوه الطبيعة الإنسانية، وتعتمد مقياس التبادل نموذجا أوحد للتواصل البشري حتى أصبح الأفراد في المجتمع الغربي ذرات مستقلة لا تربطها سوى علاقة الحاجة والمصلحة.
    اي ان الحداثة الغربية الراسمالية التي يراد اسقاطها في باقي المجتمعات ذات التاريخ العريق وذات التنوع الثقافي الضارب في جدور التاريخ وعراقته، يهدف من خلالها المعسكر الليبرالي الفربي إلى تفكيك الإنسان ووحدته وتحويله إلى كائن غرائزي مجرد من كل القيم الإنسانية والثقافية والعقائدية.