يثير مسلسل استهداف الجمعيات المحلية بإقليم تاونات ومحاولة اغتيالها بشتى الوسائل والذرائع والتحجج ، جدالا واسعا وأحيانا احتداميا لدى شرائح واسعة من الشباب التاوناتي وفي أوساط المهتمين بالشأن الجمعوي ولدى متتبعي الشأن العام المحلي، ويطرح هذا السلوك (أي سلوك استهداف الجمعيات) سلسلة من التساؤلات المشروعة والموضوعية عن السر والدوافع التي تكون وراء استهداف الجمعيات وعرقلة عملية إحداثها ومحاصرة مبادراتها والتحامل على أعضائها ومؤسسيها وطبخ تقارير كيدية ضدهم في مطابخ التآمر والزندقة وسوق النخاسة.
هذه حقيقة أصبحت معروفة للقاصي والداني، وحتى تراب وحجر وطيور وسماء إقليم تاونات يعرفون ويشهدون على ذلك، لكن التساؤل العريض الذي يفرض نفسه بقوة: من المستفيد من ذبح المجتمع المدني بتاونات ومن الخاسر ؟ ولماذا يتم ذبحها ؟ وبمباركة من؟
قبل الجواب على هذا التساؤل، أريد أن أشير إلى أن جمعيات المجتمع المدني أصبحت بمقتضى دستور 2011، العمود الفقري للديمقراطية التشاركية وأساس جوهرها وقلبها النابض،ولا وجود لديمقراطية تشاركية بدون وجود جمعيات قوية ذات برامج واعدة ورؤية مستقبلية هادفة.
ويجب التأكيد أيضا على أنه طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي رقم: 113.14 المتعلق بالجماعات المحلية ، وطبقا لأحكام الدستور، أصبحت الجماعات الترابية ملزمة بإحداث كيانات مؤسساتية تحت مسمى: “لجنة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع” يتكون أعضاؤها من أفراد ينتمون إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني تعمل داخل النفوذ الترابي للجماعة ، على أساس معايير دقيقة تأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع الاجتماعي حيث يتم تخصيص نسبة 50 في المائة للنساء من مجموع اعضاء اللجنة لضمان المساواة، الالتزام والفعالية و القدرة على العطاء المستمر، التجربة في ميدان التنمية البشرية ، الخبرة في النوع الاجتماعي، القدرة على التنظيم والتنوع المهني،مكانة وسمعة العضو ومعيار الاستقلالية الذي يميز المجتمع المدني وخصائصه كبنى مجتمعية حديثة.
إذ أن هذه اللجان تشارك في تدبير الشأن العام المحلي من موقع الديمقراطية التشاركية الذي يخول لها اقتراح مشاريع والترافع من أجل أخرى والتصدي لأي مشروع إذا ارتأت اللجنة انعكاساته ونتائجه المتوقعة ستضر بمصالح الناس والتجمعات السكانية أو بأراضيهم الفلاحية أو له نتائج سلبية على المحيط البيئي والنظام الإيكولوجي أو قد تكون له انعكاسات أمنية وغيرها.
وعندما تكون هذه اللجان – أي لجان المساواة وتكافؤ الفرص- قوية ويتمتع أعضاؤها بمصداقية وكفاءات معرفية وخبرة في مجال تدبير الشأن العام وملمة بتدبير السياسات العمومية ، فإن عملها سيشكل رقابة قوية على المنتخبين وسيمارس عليهم ضغطا قويا ويقيد حركتهم المشبوهة، ومن ثمة سيكون من الصعب جدا أن يغامر هذا المنتخب أو ذاك على الانخراط في عمليات تبديد المال العام أو التلاعب بالمطلبيات والصفقات العمومية أو القيام بالعمل اللصوصي.
وهذا من ضمن الاسباب التي تجعل مافيا خردة الريع الانتخابي تستعمل كل الوسائل لمحاربة الجمعيات واستهدافها خصوصا الجمعيات المكونة من الفئات المثقفة والكفاءات.
كما أن الجمعيات القوية ذات البرامج الواعدة قد تلعب دورا محوريا في إبراز عيوب وفشل المؤسسات المنتخبة من خلال مشاريعها ومبادراتها العملية المؤثرة، والمساهمة في الرفع من منسوب وصبيب الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي والفكري…. وهذا العمل بدوره يهدد مصالح مافيا وسماسرة خردة الريع الانتخابي ومصالح الذين امتطوا السياسة كوسيلة للاغتناء والارتزاق ومصالح الفئات التي تستفيد منهم أو المتحالفة معهم.
إذن من خلال هذا التحليل، نستنتج أن مرتزقة العمل السياسي وسماسرته هم المستفيد الأول والأخير من عملية محاربة الجمعيات واستهدافها وعرقلتها، لذلك يحاولون الاستعانة ببعض القطعان لخلق جمعيات وهمية يتحكمون في توجيهها وتحريكها متى شاؤوا وتوفير الدعم لها على أساس برامج وهمية أو مقرصنة مقابل عملاتهم ونصيبهم من الكعكة، وهو الأمر الذي لا يمكن للجمعيات التي تحترم نفسها أن تقبل به.
لهذه الاسباب يتم استهداف أو محاولة استهداف عدد كبير من الجمعيات الواعدة بالاقليم من جملتها على سبيل الذكر لا الحصر، “جمعية غفساي تنهض” و”جمعية تاونات تنهض” و”جمعية رؤية للتنمية الثقافية والحضارية” واللائحة طويلة.
والسلاح الذي يتم استعماله لمحاربة الجمعيات واستهدافها هو أن مرتزقة العمل السياسي وسماسرة الريع الانتخابي يحاولون بطريقة أو أخرى التأثير على السلطات المحلية وتقديم تقارير مفبركة ومعلومات مغلوطة على مؤسسي هذه الجمعية أو تلك والعمل على شيطنتهم لدى السلطات الإدارية المختصة.
ورجال السلطة الذين يتأثرون بسخافات مرتزقة العمل السياسي أو يخضعون لمهتراتهم وربما أحيانا لدريهماتهم ، لا يستحقون أن يكونوا في مناصبهم وليست لهم أهلية لأن يكونوا في هذا المناصب الرفيعة، لأن من يتحالف منهم مع مافيا الفساد، يصبح وجوده في موقع المسؤولية مهددا للأمن والاستقرار ويساهم في اضطهاد كرامة المواطنين والمواطنات والمس بالحقوق الاساسية للأفراد ويعطل مسيرة التنمية المنشودة علاوة على مساهمتهم في توسيع قاعدة الهشاشة الاجتماعية واتساع رقعة الفقر والبؤس وقتل الإحساس بالإنتماء للوطن.
إذن الطرف الخاسر من استهداف الجمعيات النوعية والواعدة هي الجغرافيا والسكان ، سكان الحاضر وسكان المستقبل أي الاجيال الصاعدة والمتصاعدة ، كما أن نعمة الأمن والاستقرار تتضرر كثيرا من هذه الاساليب الشوفينية البينوشية.
إن جلالة الملك في جميع خطبه يعطي إشارات قوية للمواطنين والمواطنات بالتحرك في درب محاربة الفساد والمفسدين والمشاركة الكثيفة في العمليات السياسية وصناعة القرارات التي تهم تدبير السياسات العمومية في القرى والمداشر والحواضر التي يتواجدون بها لمحاصرة الفساد ومظاهر الإفساد وعدم تركهم لوحدهم في ملعب تدبير السياسيات العمومية المحلية، وهذا ما نحاول القيام به لأجل مستقبل الوطن والمواطن.
باختصار شديد، أؤكد – وأسطر بالبند العريض تحت كلمة أؤكد – لو كانت مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني الفاعلة بمنطقة بني زروال قوية وتعمل في إطار رؤية تشاركية على أساس برامج تنموية وبيئية وثقافية وحقوقية واعدة (كل من موقعه)، لما تجرأ أحدا على العبث بمشروع الماء الصالح للشرب الذي دشنه جلالة الملك في سنة 2010، ولما تجرأ سماسرة خردة البزار الانتخابي على المتاجرة في بؤس وفقر وجهل الناس، ولما تجرأ أحدا على العبث بمصالح وحقوق السكان وحرياتهم الأساسية.
في ختام هذه المقالة نامل من السيد العامل الجديد أن يصحح هذا الوضع الشاذ وان يحرص على توطيد احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية.
منقول من صفحة ذ.محمد القاضي
إرسال تعليق