عندما نفتح باب التاريخ لإلقاء نظرة تأملية وتمحيصية لمختلف حقبه الزمنية، نخرج بخلاصة علمية ثابتة أن الفساد والتسلط والقرارات الميزاجية كانت ولاتزال سببا رئيسيا في إنتاج المآسي والفظاعات والجرائم ضد الإنسانية وزعزة المجتمعات وسقوطها وانهيارها.
وبالرغم من أن القوانين يتم وضعها على مقاس وأمزجة من بيدهم زمام الأمور، فإنهم هم أنفسهم من انتهكوها وينتهكونها وداسوا ويدوسون عليها عليها بأحذيتهم.
فالمسؤول الذي عيّن نفسه أو تم تعيينه على رأس قطاع معين من أجل تدبير مصالح المواطنين والحرص على خدمتهم والتفاعل والتجاوب مع انتظاراتهم وتطلعاتهم في إطار ما تسمح به اختصاصاته ويسمح به القانون، فإنه يستغل هذا الموقع لتدمير مصالح الناس والعبث بها ومصادرة حقوقهم وسرقة أحلامهم وتعطيل عجلة تقدمهم ونهضة مجتمعهم، فإنه عن قصد أو غير قصد، يساهم في إنتاج جيل من الحاقدين وجيل من القنابل الأدمية الموقوتة وجيل من الخلايا النائمة الناقمة على كل شيء لأن الإحساس بتعرضهم للظلم بمعية آبائهم، ثابت في دمائهم، وإنتاج جيل من النخب الفاسدة والمتعفنة…
وهذا بدوره تترتب عنه تداعيات فتاكة للمجتمع ولحركته الابداعية والتقدمية والنهضوية، حيث يتحول المجتمع إلى حاضنة لبؤر الجريمة والانحلال والتفسخ وإفراغ أهله من الإحساس بالانتماء الوطني، وبروز العديد من الأوبئة الاجتماعية تحت مسميات مختلفة حاطة ومهينة لكرامة الإنسان التي كرمها الله.
أما رب العمل أومسؤول إي إدارة أو قطاع، عندما يقرر فصل وطرد موظف أو مستخدم من عمله، فإنه بهذا القرار يوقع على شهادة تفكيك أسرة وتشريد الطفولة وإنتاج الجريمة وإنتاج الدعارة وإنتاج فظاعات إنسانية وقساوة الحياة لأطفال لا ذنب لهم سوى لأن رب عمل والده قرر بكشل ميزاجي فصل أبيهم أو أمهم من عملهما الذي يعتبر مصدر رزقهما ومصدر استقرارهم.
أما المسؤول النقابي الذي عوض أن يدافع عن حقوق الطبقة الشغيلة والمساهمة في الحرص على استقرارهم الاجتماعي وتحفيزهم على الإنتاج والابداع والجد والعمل لصالح الإدارة أو المنشأة التي يشتغلون بها لأجل تنمية مواردها المالية على أمل مكافأتهم بزيادرات في روابتهم وتعويضات تحفيزية، فإننا نجده لا يزال يتعامل بمنطق أبو لهب ومنطق الجاهلية ومنطق الغدر والخيانة، حيث أول خطوة يقدم عليها أي نقابي في الوطن العربي هو محاصرة كل الكفاءات وتجريدهم من المسؤوليات وتغيير مواقعهم على أساس أمزجته المتعفنة بدود الفساد والإفساد ونصب الفخخ لهم بهدف تشريدهم أو ابتزازهم… وهو ما يؤدي إلى قتل ملكة الابتكار والابداع وحرمان المنشآت الاقتصادية والخدماتية والإدارية من كفاءتهم العلمية وخبراتهم ومن ثمة حرمانها من التطور والتقدم والازدهار، ويكفي أن نستحضر في هذا السياق مصير المؤسسات التي تمت خوصصتها بعد أن أهلكها النقابيون وأفلسها وشردوا شغيلتها وسلموا هذه المؤسسات على طبق من ذهب إلى مستثمرين أجانب يستنزفون جيوب المغاربة ويهربون الارباح بالعملات الصعبة إلى بلدانهم، كما أن هذه المؤسسات بعد أن تولى زمام أمرها المستثمر الأجنبي، فإنها قد تتحول أيضا إلى مركز للاستخبارات التابعة لدولة هذا المستثمر، في حين أنها كانت في السابق قطاعات سيادية بيد الدولة تساهم من خلالها في ضبط الاستقرار والسلم الاجتماعي وضمان طمأنينة وسكينة الناس.
هذه السلوكات الشاذة والمرضية تساهم في تغذية الشعور والاحساس بالحكرة وزعزة ثقة المواطن في إدارات ومؤسسات وطنه، وتساهم في تسويد نظرتهم إزاء وطنهم، وقد يدفع الأمر ببعضهم إلى الارتماء في أحضان الاستخبارات الأجنبية والشبكات المافيوزية والارهابية والاتجار في المخدرات والممنوعات لقتل الشباب بسمومها وما يترتب عنها من تداعيات أكثر كارثية….
وهذا يؤدي في المحصلة إلى الاسهام في انتفاخ بالونة السخط والاحتقان والفظاعات الاجتماعية الناعمة والتي قد تنفجر في أي لحظة…
لذلك علينا جميعا أن نساهم في تكريس قيم وثقافة حقوق الإنسان والمساهمة في تعزيز وتوطيد احترامها بالتوعية والتحسيس والمساءلة وملاحقة المفسدين وفضحهم أينما حلوا وارتحلوا بهدف كنسهم من مواقعهم وعدم تزكية الفاسدين والمفسدين عبر صناديق الاقتراع والتضامن المجتمعي بين أفراد المجتمع في التصدي لجميع أشكال الفساد والتعفن بجميع أشكاله وتجلياته….
معا نستطيعا
عن إدارة التحرير